إيران تهدد إسرائيل برد ثقيل بعد أقسى خسارة منذ سليماني

مرة أخرى، تجد منطقة الشرق الأوسط نفسها أمام خطر منازلة إقليمية مدمرة، بعد أن قتلت إسرائيل، أمس الأول، أرفع جنرال في الحرس الثوري الإيراني في سورية ولبنان، ونائبه و5 ضباط في «الحرس»، بضربة دمرت تماماً مبنى القنصلية الإيرانية في حي المزة بدمشق، الملاصق لمبنى السفارة الإيرانية في العاصمة السورية.

وتوعد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ومسؤولون إيرانيون آخرون تل أبيب بالانتقام من الضربة التي قال محللون إنها تجاوزت عدة خطوط إيرانية حمراء، ووُصفت على نطاق واسع بأنها أثقل خسارة تتكبدها طهران منذ اغتيال أشهر جنرالاتها، قاسم سليماني، قبل 4 أعوام في بغداد.

وأمس، ارتفع عدد قتلى الضربة الإسرائيلية إلى 13 قتيلاً بينهم 7 إيرانيين في مقدمتهم العميد محمد رضا زاهدي، أرفع قيادي في الحرس الثوري في سورية ولبنان، ونائبه العميد محمد هادي حاج رحيمي، وخمسة تردد أنهم ملحقون عسكريون بالسفارة الإيرانية. ونعى خامنئي زاهدي ووصفه بأنه «لواء الإسلام الشامخ والمضحّي»، مشيراً إلى أنه كان «ينتظر الشهادة منذ الثمانينيات»، في وقت قالت «وول ستريت جورنال» إن زاهدي بصفته القائد الإقليمي لـ «فيلق القدس»، هو الرجل «رقم 1» في حرب إيران على إسرائيل، كونه المسؤول عن عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى «حزب الله»، ويُعتقد أنه كان على اتصال يومي مع زعيم الحزب حسن نصرالله.

غير أن مصادر أخرى ربطت بين اغتيال زاهدي والزيارة التي أجراها مسؤول في الحزب مؤخراً إلى الإمارات، موضحة أن زاهدي كان على خط هذه المساعي، وأن اغتياله هو محاولة إسرائيلية لتدمير هذا المسار في بدايته.

وعلمنا  من مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن المواقف خلال الاجتماع الذي عقده المجلس أمس الأول لمناقشة الهجوم، عكست الورطة الاستراتيجية لإيران، التي لا تريد الانزلاق إلى حرب واسعة لا يمكن معرفة كيف ستنتهي، وتضحي بذلك بكل الأثمان التي دفعتها منذ 7 أكتوبر تحت عنوان «الصبر الاستراتيجي»، لكنها من الجهة الأخرى تجد نفسها مضطرة إلى رد قوي لوقف تآكل هيبتها وصورتها كراعية لـ «محور المقاومة».

وقال المصدر إن خامنئي شارك بالفيديو في الاجتماع الذي ترأسه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، مضيفاً أن ممثلي الحرس الثوري شددوا خلال الاجتماع على ضرورة تنفيذ رد قوي حتى لو أدى ذلك إلى حرب، مشيرين إلى أنه لم يعد بإمكانهم ضبط الوكلاء والحلفاء في لبنان والعراق وسورية واليمن، وأن معظم هذه القوى بدأت تشكك في مبدأ الصبر الاستراتيجي.

وأضاف أن قائد الحرس الثوري حسن سلامي وقائد فيلق القدس اسماعيل قآني أكدا أنه إذا ما لم تقم إيران برد معتبر فإن تل أبيب ستزيد الاغتيالات، وأشارا إلى أن العديد من كوادر «حزب الله» في لبنان يهددون بالاستقالة بعد أن رأوا رفاقهم يقتلون فيما يضطر الحزب إلى ضبط نفسه في الانتقام تماشياً مع السياسة المتبعة. في المقابل، شدد مندوبو الحكومة في الاجتماع، خصوصاً ممثلي وزارة الخارجية، على أن الضربة الإسرائيلية هدفها استفزاز إيران وجرها إلى المعركة، وأنه من الحكمة ألا تذهب إيران بأقدامها إلى الفخ الإسرائيلي.

وكشف المصدر أن بعض الأطراف المتشددة في الاجتماع، طالبت بالانتقام من هجوم دمشق عبر استهداف السفارات الإسرائيلية في الإمارات والبحرين والأردن وأذربيجان، فضلاً عن مقترح لتهريب السلاح إلى الأردن لاستخدامه في مهاجمة السفارة الإسرائيلية هناك.

ولفت إلى أنه بعد الاستماع إلى مختلف وجهات النظر، طلب المرشد الأعلى من الأجهزة الأمنية والحرس الثوري التحضير لعملية أو عدة عمليات لرد انتقامي ثقيل ومؤلم وعلني على هجوم دمشق، كما طلب دراسة التداعيات المحتملة لاستهداف سفارات أو بعثات دبلوماسية إسرائيلية في دول أخرى.

وأضاف أن خامنئي طلب أيضاً وضع خطط لاستهداف شخصيات سياسية وعسكرية وأمنية وعلمية إسرائيلية كبيرة داخل إسرائيل وخارجها. رغم ذلك، كشف المصدر أن خامنئي أكد ضرورة ألا تذهب إيران إلى حرب بتوقيت إسرائيل، وأنه لا يجب أبداً أن تكون تل أبيب هي من تبدأ الحرب، وبالتالي يجب أن يأخذ أي رد على هجوم دمشق هذا الأمر في الاعتبار.

وفي بيان أصدره أمس، قال خامنئي: «سيعاقب رجالنا الشجعان الكيان الصهيوني الشرير.

سنتأكد أنهم سيندمون على هذه الجريمة، وجرائمهم المماثلة».

وقال خامنئي واثنان من مستشاريه، هما علي أكبر ولايتي وعلي شمخاني، إن واشنطن مسؤولة عن الهجوم سواء علمت به أم لا.

وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان كشف أمس، أنّ طهران وجهت رسالة إلى الولايات المتحدة عبر «مسؤول في السفارة السويسرية»، التي تمثّل المصالح الأميركية في إيران حمّلتها فيها المسؤولية عن الهجوم «باعتبارها شريكة للنظام الصهيوني».

ونفت واشنطن صلتها بالهجوم، وقال مسؤولان أميركيان لشبكة «إن بي سي»، إن إدارة الرئيس جو بايدن أبلغت طهران مباشرة أنها لم تكن على علم بالضربة.

ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن تل أبيب لم تطلب من واشنطن «الضوء الأخضر» لتنفيذ الضربة.

وذكر مسؤول إسرائيلي أن مخابرات بلاده كانت تتعقب زاهدي، الذي كان مسؤولاً عن تسليح «حزب الله» وغيره من الفصائل الموالية لإيران في سورية ولبنان لفترة طويلة، لكن لم تُتح الفرصة لاغتياله إلا في الأيام الأخيرة. وأكد مسؤول آخر أن الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب قصوى تحسباً لهجمات انتقامية من الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران في سورية.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية أشارت إلى تأهب حول السفارات والبعثات الدبلوماسية الإسرائيلية حول العالم، تحسباً لرد إيراني.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت: «نعمل في كل مكان لنوضح لكل من يعمل ضدنا بالشرق الأوسط أن ثمن أي عملية ضدنا سيكون باهظاً».

ورجح مسؤول أميركي كبير تصعيداً في الصراع بين إسرائيل من جهة وإيران ووكلائها من جهة أخرى.

وأثار استخدام خامنئي عبارة «سيرد رجالنا الشجعان» انتباه بعض المحللين الذين قالوا إن العبارة تحمل معنى أن طهران سترد مباشرة هذه المرة، ولن تعتمد على وكلائها.

ورغم ذلك، قال «حزب الله» اللبناني، الذي يخوض مواجهات يومية مع الجيش الإسرائيلي منذ أكتوبر الماضي، إن استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق لن يمر دون «عقاب».

وهددت فصائل عراقية موالية لطهران بقطع الطريق البري إلى إسرائيل عبر الأردن.