اكتشاف الجين المسؤول عن تطوير اللغة عند البشر

تمّ اكتشاف الجين FOXP2 في عائلة لديها تاريخ من الاضطرابات العميقة في الكلام واللغة، وكان أول جين مُكتشف له علاقة بإنتاج اللغة. وأشادت بحوث لاحقة بمدى أهميته في مسيرة تطور اللغة البشرية.

تلقي البحوث ظلالًا من الشك على فكرة أن الجين المرتبط بتطور اللغة خاص بالبشر الحديثين. في السابق، ساد اعتقاد بأنّ تطور اللغة البشرية اعتمد على تغييرات في جين واحد لم تشهدها المجموعات البشرية القديمة. لكن، وفقًا لتحليل جديد اليوم، فجين FOXP2 لم يخضع لتغييرات في التاريخ الحديث للإنسان العاقل Homo sapiens، وربما كانت النتائج السابقة مجرد إشارات خاطئة.

في هذا السياق، تقول إليزابيث أتكينسون، العالمة في الوراثة السكانية والمؤلفة المشاركة في بحث حديث، إن الوضع أكثر تعقيدًا من القصّة التي كانت متداولة كلّ هذه الفترة.

في الواقع، تمّ اكتشاف الجين FOXP2 في الأصل في عائلة لديها تاريخ من الاضطرابات العميقة في الكلام واللغة، وكان أول جين مُكتشف له علاقة بإنتاج اللغة. وأشادت البحوث اللاحقة بمدى أهميته لتطور اللغة البشرية.

في عام 2002، وجدت دراسة فائقة الأهمية أن البشر يحملون طفرتين جينيتين في FOXP2 لا وجود لهما في أي ثدييات عليا.

وعندما نظر الباحثون في الاختلاف الجيني الذي أحاط بالطفرتين، وجدوا “كسحًا انتقائيًا”، أصبحت فيه الطفرة المفيدة شائعة بسرعة بين السكان. فبدا أن هذا التغيير في FOXP2 قد حدث في 200 ألف سنة ماضية، بحسب ما ذكر تقرير نشرته مجلة Nature.

أقدم من المتوقّع

لكنّ فكرة أن التغييرات في جين FOXP2 لدى البشر وحدهم أدّت إلى تطوير اللغة، لم تمضِ من دون اعتراض. فقد وجدت إحدى الدراسات أن إنسان نياندرتال حمل نفس الطفرات، ما يشير إلى أن التغييرات في جين FOXP2 حدثت قبل أن تنقسم المجموعتان، منذ أكثر من نصف مليون سنة.

على الرغم من هذه التساؤلات، لم تتكرر دراسة عام 2002. ووفقًا لأتكينسون، استندت تلك الدراسة إلى جينومات 20 فردًا لا غير، بينهم عدد قليل من الناس من أصل أفريقي: فمعظمهم جاء من أوروبا وآسيا ومناطق أخرى. وقامت الآن وفريقها بإعادة فحص التاريخ التطوري لهذا الجين باستخدام مجموعة بيانات أكبر ومجموعة سكانية أكثر تنوعًا.

وجد الباحثون أن الإشارة التي بدت ككسح انتقائي في دراسة عام 2002 ربما كانت عبارة عن أثر إحصائي ناتج عن جمع الأفارقة مع الأوراسيويين وشعوب أخرى. ومع وجود المزيد من الجينومات الأكثر تنوعًا للدراسة، تمكّن الفريق من البحث عن عملية كسح انتقائية في FOXP2، بشكل منفصل، في الأفارقة وغير الأفارقة، لكنه لم يجد دليلًا في أي منهما.

قسم من الأحجية

حتى إذا لم يكن هناك تطور حديث لجين FOXP2، فلا يزال هناك الكثير من الأدلة على تورط الجين في اللغة، كما يقول سيمون فيشر، مدير معهد ماكس بلانك لعلم اللغة النفسي في نيميغن، هولندا، والمؤلف المشارك في دراسة عام 2002.

الطفرات في FOXP2 تتسبّب باضطرابات اللغة البشرية، ولدى الفئران، يؤدّي هذا الجين دورًا مهمًا في أداء الأصوات والحركة، وهما وظيفتان مهمتان لنطق الإنسان.

يضيف فيشر أن اللغة معقدة، ولن يتم تفسيرها أبدًا بطفرة واحدة في الإنسان الحديث، “ونحن بحاجة إلى تبني حسابات أكثر تعقيدًا تنطوي على تغييرات في جينات متعددة. وبهذا المعنى، فإن FOXP2 ما كان ليكون سوى قطعة واحدة من أحجية معقدة”، بحسبه.

تحرص برينا هين، وهي الكاتبة الأولى للبحث الحديث وعالمة في الوراثة السكانية في جامعة كاليفورنيا، ديفيس، على إعادة النظر في الجينات الأخرى التي اعتبرت مهمةً لتطور الإنسان، مثل الجينات المسماة ميكروسيفالين، المرتبطة بتطور الدماغ. وتشعر بالقلق من أن الاعتماد المفرط على مجموعات البيانات الصغيرة أثر في فهمنا ما يجعل البشر فريدين من نوعهم.

تقول أتكينسون: “إذا كنت تطرح سؤالًا حول تطور الناس بصفته جنسًا بشريًا، فستحتاج حقًا إلى تضمين مجموعة متنوعة من الأشخاص”.