ما بين “وعد بلفور” ووعد ترامب مئة عام من العدوان… والمقاومة

في أواسط شهر فبراير من بدايات هذا العام، جدّد رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب أمام رئيس حكومة الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، الوعد الذي كان قد قطعه للمجموعة الأكثر تطرفا في “لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية” بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس التي يرى فيها عاصمة موحّدة لكيان موحّد، هو “دولة اليهود في العالم”.
ويأتي هذا الوعد المزدوج ليذكّر بوعد آخر أطلق، منذ مئة عام تقريبا، في الثاني من تشرين الثاني 1917، من قبل الدولة الأقوى في العالم الرأسمالي آنذاك، المملكة البريطانية المتحدة، وعلى لسان وزير خارجيتها اللورد بلفور الذي وجّه الرسالة التالية إلى “البارون” ليونيل والتر روتشيلد :

“عزيزي اللورد روتشيلد، يسرني جداً أن أبلغكم، بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:”إن حكومة صاحبة الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. وستبذل كامل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى. وسأكون ممتنّاً إذا ما أحطتم إتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح”..

بعد 100 عام على تصريح وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917
بتأييد بريطانيا إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، جاء يوم 6 ديسمبر 2017 تصريح
وعد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل
.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعرف تماماً ان العالم
العربي والاسلامي ميؤوس منه ولا يستطيع أن يحرك ساكناً، وإلا كيف يتجرأ على المساس
القانوني والسياسي للقدس وانتهاك قرارات مجلس الأمن الدولي دون أن يكترث لأي
اعتبار
.
فكرة نقل السفارة الامريكية الى القدس وإعلان القدس عاصمة
لإسرائيل هي فكرة ليست بالجديدة ولم تكن فكرة الرئيس دونالد ترامب، بل هو قرار
أصدره الكونغرس الأمريكي عام 1995 وصوت عليه مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع وأن
جميع رؤساء الولايات المتحدة السابقين تحدثوا عن امكانية تطبيق هذه القرار لكنهم
عندما سمعوا الى مستشاريهم تأكدوا أنها فكرة غير سديدة ولم تكن سليمة إطلاقاً، لكن
ترامب استمع فقط الى صهره “اليهودي” وكبير مستشاريه جاريد كوشنر عراب
ترجمة القرار الى تطبيق رسمي على أرض الواقع، بل أن ترامب يريد أن يثبت للعالم
أجمع أنه رئيس استثنائي ومختلف عن غيره من خلال فكرة تطبيق نقل السفارة والاعتراف
بالقدس عاصمة لإسرائيل وتنفيذاً لوعده الانتخابي الذي يفتخر به دائماً
.
المواطن العربي جُل ما يمكن أن يفعلهُ هو وضع صورة قبة
الصخرة أحد أجزاء المسجد الأقصى في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي ذات الوقت يتوقف
العقل البشري للفرد العربي والإسلامي عن توجيه سؤال واضح وصريح وهو لماذا لا يوجد
رادع إسلامي أو عربي جماعي موحد سواء كان إعلامياً أو دبلوماسياً بل وحتى عسكرياً
تجاه القضية الفلسطينية؟

الفرد العربي والإسلامي يخشى أن يفكر بصوت عالي، ولا
يستطيع حتى التفكير مع نفسه لكي لا يصبح مصيره مصير المواطن المقدسي محاصر من جميع
الجهات إقليمياً ومتهم بالإرهاب دولياً ولا يعلم متى يحين موعد هدم منزله داخليا
.
الدول العربية منقسمة فيما بينها ولا تمتلك أية
استراتيجيات تجاه القضايا المصيرية المشتركة مثل القضية الفلسطينية، بل حتى الدول
الإسلامية الغير عربية مثل تركيا وإيران اعتمدتا مبدأ المصالح القومية أولاً ومن
ثم العد الإسلامية الطائفي الضيق لكلاً منهما بدلاً من المصالح الإسلامية العليا
المشتركة، هذا الانقسام الحاد وعدم تحديد الأولويات سواء كانت إسلامية أو قومية
أدى الى عدم وحدة القرارات سواء كانت إعلامية أو عسكرية تجاه القضايا المصيرية
المشتركة
.
ولم يسجل لنا التاريخ العربي أي صدامات بين العرب
واليهود، بل كانت المرأة العربية التي يموت أطفالها صغاراً، تعطي المولود الجديد
أسماً يهوديا وتبعث به إلى نساء اليهود ليتربى عندهن، اعتقاداً منها بأن رب اليهود
سوف يمنع الموت من الوصول إلى وليدها
“.
الامل بالشعوب العربية مفقود بسبب حالة التنافر التي
تعيشها الدول العربية والبلدان الإقليمية الإسلامية، هذا التنافر والصراع الوجودي
“القومي الطائفي الأيدلوجي” يحتم على الفلسطينيون مواصلة نضالهم وحدهم
ضد الاحتلال الإسرائيلي لان هذا هو قدرهم اللاهي الذي لا مفر منه