تعد ازدواجية التعامل الأمريكي مع قادة دول أمريكا اللاتينية ظاهرة تثير تساؤلات متكررة حول المعايير الحقيقية للسياسة الخارجية. ويظهر هذا التباين بوضوح عند مقارنة الضغوط المسلطة على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بالمرونة الممنوحة لمسؤولين آخرين. ومن ثمَّ، يبحث المحللون ما إذا كانت هذه السياسة تمثل نهجاً ثابتاً يعتمد على المصالح قبل المبادئ.
المصالح الاستراتيجية قبل المعايير
يرى الخبراء أن العامل الحاسم في السياسة الأمريكية لا يرتبط بالسجل الديمقراطي بقدر ارتباطه بالمصالح الاستراتيجية. وبناءً على ذلك، تحظى الدول الحليفة التي تدعم ملفات الهجرة والأمن بمعاملة مرنة، وهو ما يجسد ازدواجية التعامل الأمريكي. وتستمر هذه المعاملة حتى في حال تورط القادة في قضايا قانونية أو اتهامات بالفساد، طالما أنهم يحققون الاستقرار الإقليمي المطلوب.
وفي المقابل، تواجه الدول التي تتبنى سياسات مستقلة أو مناهضة للنفوذ الأمريكي نهجاً أكثر تشدداً. وتشمل هذه الإجراءات العقوبات الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية، مما يؤكد أن ازدواجية التعامل الأمريكي ترتبط بمدى الولاء السياسي للبيت الأبيض.
الفصل أو الدمج بين القانون والسياسة
تُظهر التجارب التاريخية أن واشنطن تفصل بين المسار القانوني والسياسي عندما يخدم ذلك مصالحها القومية. ففي حالات الدول الحليفة، تُعالج القضايا عبر المحاكم دون المساس بالعلاقات الثنائية. أما في حالات الخصوم، فيجري دمج القانون بالسياسة بشكل كامل، حيث تُستخدم الملاحقات القضائية كأداة ضغط سياسي فعالة، مما يبرز بوضوح ازدواجية التعامل الأمريكي.
دول أخرى تخضع للنهج ذاته
لا يقتصر هذا الأسلوب على فنزويلا وحدها، بل شهدت دول أخرى أنماطاً مشابهة تعكس ازدواجية التعامل الأمريكي، ومنها:
-
كوبا ونيكاراغوا: استمرار العقوبات والضغوط بسبب الخلافات الأيديولوجية والسياسية مع واشنطن.
-
بوليفيا وإكوادور: تغير الموقف الأمريكي بشكل حاد تبعاً لتغير توجهات الحكومات المتعاقبة ومدى تقاربها مع واشنطن.
-
كولومبيا والسلفادور: الحفاظ على علاقات وثيقة رغم وجود انتقادات حقوقية، نظراً لتوافقهما مع الأجندة الأمنية الأمريكية.
انعكاسات ازدواجية التعامل الأمريكي
يحذر مراقبون من أن هذا النهج يعمّق الشكوك حول مصداقية الخطاب الأمريكي المتعلق بالديمقراطية. ونتيجة لذلك، ترسخت قناعة لدى دول الجنوب بأن هذه القيم تُستخدم كأدوات سياسية وليست كمعايير ثابتة. وبالإضافة إلى ذلك، يؤدي هذا التباين إلى إضعاف الثقة في عدالة القانون الدولي.
خلاصة
نستنتج أن ازدواجية التعامل الأمريكي تجاه أمريكا اللاتينية هي جزء من نهج تاريخي تحكمه المصالح الجيوسياسية. وبناءً عليه، تتغير المعايير بتغير موقع الدولة من خارطة التحالف أو الخصومة، في مشهد يعكس واقع السياسة الدولية أكثر مما يعكس مبادئ القانون المثالية.
أقرأ أيضا :

