في خطوة تُعدّ تحولًا جذريًا في السياسة الاقتصادية الأميركية، أعلن الرئيس دونالد ترامب عن خطط لتوسيع ملكية الحكومة في القطاعات الاستراتيجية الحساسة. الهدف الرئيسي هو حماية المصالح الوطنية ومواجهة التمدد الصيني في مجالات التكنولوجيا والتصنيع والموارد الحيوية.
تدخل الحكومة في الصناعات الحيوية
ذكرت تقارير رويترز وواشنطن بوست وذا غارديان أن الإدارة الأميركية بدأت دراسة آلية الاستحواذ على حصص ملكية مباشرة في شركات تعمل في المعادن النادرة، أشباه الموصلات، صناعة السفن، والأدوية. بالإضافة إلى ذلك، تهدف هذه الخطوة إلى ضمان السيطرة على سلاسل الإمداد الحيوية ومنع الصين من احتكارها أو استخدامها كورقة ضغط.
تندرج هذه السياسة ضمن استراتيجية ترامب الجديدة المسماة “سياسة الاستثمار لأميركا أولًا”. تسعى هذه الاستراتيجية إلى تقليل اعتماد الاقتصاد الأميركي على الخارج. كما أنها تعزز السيادة الصناعية عبر تدخل الدولة المباشر في الصناعات الحيوية. هذه خطوة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.
نموذج قريب من الاقتصاد الصيني
يرى المحللون الاقتصاديون أن الخطوة تمثل اقترابًا من النموذج الصيني لإدارة الاقتصاد. على سبيل المثال، يتداخل الدور الحكومي مع القطاع الخاص لحماية المصالح الوطنية، كما حدث في الصين قبل عقدين.
أشارت مؤسسة RAND الأميركية إلى أن الولايات المتحدة تعيد تعريف الرأسمالية الوطنية بأسلوب أكثر توجيهًا واستراتيجية. الهدف واضح: حماية الصناعات الحيوية وتأمين الموارد الأساسية.
حذر بعض الاقتصاديين في وول ستريت من أن هذه السياسة قد تشوّه السوق وتزيد التدخل السياسي في الاستثمار. مع ذلك، يعتبر مؤيدو القرار داخل إدارة ترامب أنه خطوة أمنية ضرورية، خصوصًا بعد أن استخدمت الصين صادرات المعادن النادرة وسلاسل التوريد الاقتصادية كورقة ضغط.
تداعيات عالمية وإقليمية
من المتوقع أن تفتح هذه السياسة مرحلة جديدة من الاصطفاف الاقتصادي العالمي. فعلى سبيل المثال، تسعى الولايات المتحدة لتقليل الاعتماد على الصين وبناء سلاسل إمداد مع حلفائها في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.
بالإضافة إلى ذلك، قد تخلق هذه السياسات فرصًا لدول الخليج العربي، بما فيها الكويت، للمشاركة في مشاريع التصنيع والمعادن الاستراتيجية عبر استثمارات مشتركة أو اتفاقيات توريد طويلة الأجل.
يتوقع الخبراء تحولات كبيرة في مجالات الطاقة، التكنولوجيا، والصناعات التحويلية. لذلك تعمل واشنطن على تأمين المواد الحيوية المستخدمة في إنتاج السيارات الكهربائية، الرقائق الإلكترونية، والبطاريات.
تحول أيديولوجي في فلسفة الاقتصاد الأميركي
يمثل القرار الأميركي إعلانًا عن نهاية مرحلة “الأسواق المفتوحة” وبداية عهد جديد من الاقتصاد الجيو-سيادي. في هذا النموذج، تتقدم المصالح الوطنية على مبادئ السوق الحرة. بينما قد تثير هذه السياسات توترًا مع بكين، فإنها تظهر إدراكًا أميركيًا متزايدًا بأن مواجهة الصين تتطلب أدواتها نفسها: التخطيط الصناعي، التدخل المالي، وإعادة تشكيل سلاسل الإنتاج على أسس أمنية.
نتيجةً لذلك، يمكن القول إن واشنطن بدأت نسخ أجزاء من “الدفتر الاقتصادي الصيني”، لكنها طبقت لمسة أميركية قائمة على الشراكات والتحالفات بدلًا من المركزية الصارمة. كما أن هذا التوسع ليس مجرد إجراء اقتصادي، بل تحول أيديولوجي في فلسفة الاقتصاد الأميركي المعاصر.
وفي الختام، بينما قد يحقق ترامب هدفه بـ”الاستقلال الصناعي”، فإن المسار يفتح باب سباق عالمي جديد للسيطرة على التكنولوجيا والموارد والمعادن الحيوية. هذا السباق سيترك آثارًا عميقة على الاقتصادات الإقليمية، بما في ذلك دول الخليج العربي.

