لم تكن الأمطار التي هطلت على جزيرة سومطرة الإندونيسية خلال الأيام الماضية عابرة أو اعتيادية. فقد تحوّل المشهد تدريجيًا من قطرات هادئة تهطل فوق الغابات الاستوائية الكثيفة، إلى سيول جارفة تجرف المنازل والطرقات، ثم إلى واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية التي شهدتها المنطقة هذا العام.
مع نهاية الأسبوع الثالث من نوفمبر، بدأت السماء تُفرغ حمولتها الثقيلة بلا توقف. ارتفع منسوب الأنهار، وبدأت التربة في السفوح الجبلية بالانزلاق، لتسقط كتل ضخمة من الطين والصخور فوق القرى النائمة. في ساعات قليلة فقط، اختفت شوارع بأكملها تحت الماء، ووجد الأهالي أنفسهم يفرّون من منازلهم حاملين أطفالهم ووثائقهم القليلة.
على ضوء الفجر الرمادي، كشفت الكارثة عن وجهها القاسي: منازل غمرتها المياه، سيارات طافية، جسور منهارة، وقرى تحولت إلى بقع طينية معزولة. فرق الإنقاذ، التي هرعت من المدن القريبة، واجهت صعوبات هائلة في الوصول إلى المناطق المنكوبة بعدما قطعت السيول الطرق وأتلفت شبكات الكهرباء والاتصالات.
وبينما كانت مروحيات الإنقاذ تحلق فوق المناطق الجبلية بحثًا عن ناجين، كانت السلطات تعلن ارتفاع حصيلة الضحايا إلى عشرات القتلى والمفقودين، في وقت تم إجلاء آلاف العائلات إلى مراكز إيواء مؤقتة. داخل تلك الملاجئ، تجلس الأمهات مع أطفالهن وسط نقص حاد في الغذاء والماء، فيما يتبادل السكان قصصًا عن لحظات رعب عاشوها أثناء هروبهم من السيول.
وتشير التقارير الرسمية إلى أن مقاطعة شمال سومطرة كانت الأكثر تضررًا، مع انهيار أرضي قوي ضرب إحدى القرى الجبلية ليلاً، بينما تضررت مناطق أخرى في إقليمي غرب سومطرة وآتشيه بعد أن غمرتها مياه الأمطار الغزيرة التي لم تتوقف لأيام.
خبراء الأرصاد عزوا ما حدث إلى موجة من الأمطار الموسمية العنيفة، مترافقة مع اضطرابات مناخية غير اعتيادية، بينما حذر خبراء البيئة من أن إزالة الغابات وتراجع الغطاء النباتي جعل كثيرًا من المناطق عرضة للانهيارات بصورة أكبر.
ورغم الجهود المتواصلة، تُحذر السلطات من أن الساعات المقبلة قد تحمل مزيدًا من التحديات، خاصة مع توقع استمرار هطول الأمطار. الكارثة لا تزال تتكشف، وسومطرة الجزيرة الخضراء تعيش اليوم تحت وطأة الطبيعة حين تثور، وحين تكون الأمطار أكثر من مجرد موسم عابر.
اقرأ أيضًا:
