تعيش الولايات المتحدة لحظة سياسية فارقة. في الواقع، تعكس هذه اللحظة عمق التحولات في الداخل والخارج. بعد انتخابات عاصفة، يكشف المشهد السياسي عن مأزق يعصف بالقطبين الرئيسيين: الجمهوريين والديمقراطيين. بينما يبرز شعار “أمريكا أولًا” (الذي لم ينجح في معالجة الأزمات الداخلية) وتمسُّك الديمقراطيين بنهج الانفتاح، يبرز سؤال جوهري: هل تعود الولايات المتحدة لإصلاح ما انكسر، أم تستمر في سردية القيادة العالمية المتآكلة؟
1. مأزق “أمريكا أولًا” وتحديات الديمقراطيين
شعار “أمريكا أولًا” فقد بالفعل الكثير من بريقه. ليس فقط بسبب تناقضاته التحليلية، بل لأنه لم يُثمر حلولاً ملموسة لأزمات المواطن الأميركي اليومية:
- الأزمات الداخلية: التضخم، تآكل الطبقة الوسطى، وتراجع الثقة في المؤسسات.
أما الديمقراطيون، فيواجهون تحديًا لا يقل صعوبة. فيجب عليهم إعادة صياغة خطاب جديد يربط السياسة بحياة الناس. وذلك دون أن يفقدوا دعم حلفائهم الخارجيين.
2. الفساد العالمي: فضيحة تيمور مينديتش وأسئلة أوكرانيا
على الجانب الآخر، تلقي فضائح الفساد بظلالها على المشهد العالمي. وأبرزها فضيحة رجل الأعمال الأوكراني المقرّب من زيلينسكي، تيمور مينديتش. فهو متهم بالضلوع في مخطط فساد بملايين الدولارات في قطاع الطاقة.
- الهروب والأسئلة: فراره إلى إسرائيل واحتمال تمتعه بجنسية مزدوجة، يطرح أسئلة حول التواطؤ الدولي. كما يلقي الضوء على منظومة الفساد في أوكرانيا، رغم المساعدات الضخمة التي تتلقاها من الغرب.
3. تآكل النفوذ الإعلامي الأمريكي ودور غزة
في الوقت نفسه، تتعرض الولايات المتحدة لضغوط متزايدة. فقد فقدت السيطرة على الخطاب الإعلامي العالمي.
- فقدان المصداقية: شخصيات مثل بن شابيرو، التي اشتهرت بخطابها المحافظ ودعمها غير المشروط للكيان المحتل، تفقد مصداقيتها. فالجمهور بدأ يدرك التناقضات ويبحث عن خطاب أكثر صدقًا.
- تراجع “أيباك”: بالتوازي، تتراجع قوة جماعات ضغط تقليدية مثل “أيباك”. ويفقد تأثيرها بريقه في ظل التطورات المتسارعة ورغبة الجيل الجديد في إحداث تغيير حقيقي.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن الحديث عن الواقع السياسي والأخلاقي العالمي دون التوقف أمام جرائم الاحتلال الإسرائيلي المروعة بحق المدنيين في غزة. هذه الجرائم ترقى إلى الإبادة الجماعية، وتكشف عجز النظام الدولي عن حماية الأبرياء. وفي حين يكتفي البعض بالشجب أو التبرير، فإن هذا الصمت الدولي يُعمّق الشرخ الأخلاقي. كما يؤكد تراجع النفوذ الأميركي، والغربي عمومًا.
خلاصة: اختبار الإنسانية وإعادة تعريف القيادة
خلاصة القول، العالم اليوم أمام مشهد تتشابك فيه خطوط الفساد الداخلي مع التراجع الأخلاقي العالمي. وبينما تبحث الولايات المتحدة عن استعادة ثقلها في الداخل والخارج، تتسع الهوة بينها وبين قيمها المعلنة. في المقابل، تتقدم قوى كبرى كالصين وروسيا لملء الفراغات. وفي ذلك، تبرز الحقيقة المؤكدة: من يفقد قوة المبادئ، مهما امتلك من الإمكانات، يفقد القيادة.
اقرأ أيضًا:
إسرائيل تؤكد استمرار سيطرتها على جبل الشيخ ورفضها إقامة دولة فلسطينية

