في شوارع نيويورك المزدحمة، بدأت معركة لم يلتفت إليها أحد في البداية. آلاف السائقين، أغلبهم مهاجرون، حملوا عبئاً ثقيلاً من الديون. دفعوا مبالغ طائلة مقابل مداليات التاكسي، التي كانت في يوم من الأيام رمزاً للكرامة والاستقرار.
بداية الانهيار
أولًا، في عام 2014، ارتفعت أسعار المداليات حتى اقتربت من مليون دولار للمدالية الواحدة. لكن مع ظهور تطبيقات النقل الذكية مثل “أوبر” و”ليفت”، انهار السوق فجأة. خسر السائقون كل شيء تقريباً، بينما استمرّت البنوك في المطالبة بسداد الديون.
بعد ذلك، تحوّل الحلم الأمريكي إلى كابوس. كثير من السائقين اضطروا للعمل لساعات طويلة بلا مردود كافٍ. بعضهم فقد منزله، وآخرون غرقوا في الاكتئاب أو العزلة. كان النظام المالي قاسياً، ولم يرحم من بنى المدينة بعَرَق جبينه.
صوت من الشارع
في خريف عام 2021، قرر عدد من السائقين الاعتصام أمام مبنى البلدية. جلسوا في خيام بسيطة وبدأوا إضراباً عن الطعام استمر خمسة عشر يوماً. في تلك اللحظة، ظهر اسم زهران ممداني، النائب الشاب في مجلس الولاية، الذي انضم إليهم ونام بجانبهم في الشارع.
لم يكتفِ ممداني بالمشاركة الرمزية. بل استخدم منصبه لإيصال مطالب السائقين إلى السلطات. كما تحدث في المؤتمرات الصحفية، ونشر القضية على وسائل الإعلام، حتى تحوّلت إلى قضية رأي عام.
الاتفاق والانتصار
بفضل هذا الضغط الشعبي، جلست المدينة أخيراً إلى طاولة التفاوض. وفي نهاية عام 2021، تم توقيع اتفاق جديد يخفف ديون السائقين ويعيد لهم بعض الأمل. مثّل الاتفاق لحظة تاريخية في مسار الحركة العمالية بنيويورك، إذ كسر هيمنة المؤسسات المالية على حساب الفقراء.
هذا الإنجاز لم يمرّ مرور الكرام. فقد غيّر ملامح السياسة المحلية، وأثبت أن العمل الجماعي قادر على إحداث تحول حقيقي، حتى في مدينة ضخمة مثل نيويورك.
من الميدان إلى الانتخابات
في عامي 2024 و2025، استثمر زهران ممداني هذه التجربة في حملته الانتخابية. قدّم نفسه كسياسي يعيش بين الناس، لا كمسؤول يراقبهم من بعيد. رفع شعارات بسيطة وواضحة: العدالة، الكرامة، والمساواة.
بمرور الوقت، تحوّل دعمه من شريحة السائقين إلى تحالف واسع يضم المهاجرين والعمال والشباب. هؤلاء وجدوا فيه صوتاً يشبههم. ولذلك، لم يكن فوزه مجرد انتصار شخصي، بل انتصاراً لفكرة أن القيادة يمكن أن تولد من الشارع لا من القصور.
رمزية القصة
على سبيل المثال، أصبحت مدالية التاكسي رمزاً للثمن الذي يدفعه الناس العاديون حين تسيطر الأسواق على مصائرهم. وبالمقابل، تحولت قصة ممداني إلى دليل على أن التغيير يبدأ من موقفٍ صغير، حين يقرر شخص واحد الوقوف إلى جانب المظلومين.
لقد أظهرت هذه التجربة أن الإصلاح لا يحتاج دائماً إلى موارد ضخمة أو نفوذ سياسي، بل إلى شجاعة حقيقية. شجاعة تسمح بتحويل الغضب إلى حركة، والمعاناة إلى أمل.
الخاتمة
من خيمة الاعتصام إلى مكتب عمدة نيويورك، سلك زهران ممداني طريقاً غير تقليدي نحو السلطة. قصته تلخّص معنى الإرادة الشعبية حين تتحد. لذلك، تبقى رسالته واضحة: الشارع قادر على صناعة القادة، والعدالة تبدأ حين يجد الفقراء من يدافع عنهم بصدق.

