أثار تقرير نشره موقع The Grayzone الأميركي جدلًا واسعًا، بعد أن كشف عن استخدام أجهزة أمنية وشرطة في عدة ولايات أميركية لطائرات مسيّرة تشبه تلك التي استخدمت في العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وفتح التقرير نقاشًا حول أخلاقيات تصدير التكنولوجيا العسكرية إلى المجال المدني وحدود المراقبة في المجتمعات الديمقراطية.
من ميادين الحرب إلى المدن الأميركية
أرسلت شركة سكيديو (Skydio) أكثر من مئة طائرة مسيّرة إلى إسرائيل بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023. واستُخدمت الطائرات في مهام المراقبة والاستطلاع خلال الحرب في غزة.
وبعد انتهاء العمليات الكبرى، زوّدت المئات من المؤسسات الأمنية الأميركية بنفس التقنية، بما في ذلك إدارات الشرطة في نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو، ضمن برامج المراقبة الذكية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والطيران الذاتي.
على سبيل المثال، أجرت الشرطة الأميركية أكثر من 20 ألف رحلة بطائرات مسيّرة في نيويورك خلال عام واحد. ويعد هذا الرقم غير مسبوق في تاريخ استخدام الطائرات بدون طيار في المجال الأمني الأميركي.
تكنولوجيا متقدمة ومخاوف متزايدة
زوّدت الطائرات بكاميرات حرارية عالية الدقة وأنظمة ملاحة متقدمة تعمل حتى في البيئات المحجوبة عن إشارات GPS. وأضيفت لها القدرة على إعادة بناء الخرائط ثلاثية الأبعاد للمناطق المدنية. وأرسلت البيانات مباشرة إلى خوادم رقمية تديرها شركات خاصة، أبرزها Axon. وأثار ذلك مخاوف من أن تتحوّل هذه الطائرات إلى أدوات مراقبة جماعية قد تمس الحياة الخاصة للمواطنين.
وأكدت الجهات الأمنية الأميركية أن استخدام الطائرات يهدف إلى رفع كفاءة الاستجابة السريعة للطوارئ ومراقبة الحشود في المناسبات العامة. أكدت الجهات الأمنية أن جميع العمليات تلتزم بقوانين الخصوصية والشفافية المحلي.
قراءة تحليلية: بين الأمن والحرية
يعكس انتشار الطائرات المسيّرة المجربة ميدانيًا في المدن الأميركية اتجاهًا عالميًا نحو عسكرة التكنولوجيا المدنية. وأعيد استخدام أدوات الحروب كوسائل رقابة داخل المدن. كما أدى التعاون العسكري والتقني بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إعادة تدوير المعدات العسكرية في الأسواق المدنية، مما خلق تداخلًا بين الأمن الوطني والمراقبة المجتمعية.
ومع ذلك، حذر خبراء الحريات العامة من أن غياب التشريعات الصارمة لمراقبة استخدام الطائرات المسيّرة قد يمهّد لموجة جديدة من المراقبة الرقمية الشاملة، ما قد يهدد التوازن بين الأمن والخصوصية.
الحاجة إلى ضوابط دولية
يسأل الخبراء: من يراقب المراقب مع تسارع خطوات التحول الرقمي والأمني؟
فالتقنيات التي بدأت في سماء غزة أصبحت تحلق فوق مدن أميركية كبرى، ما أعاد طرح العلاقة بين التكنولوجيا، الأخلاق، والسيادة على الفضاء العام.
لذلك، أوصى مراقبون المجتمع الدولي بوضع مواثيق واضحة لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة في الحروب والحياة المدنية على حد سواء، قبل أن تتحول “عيون السماء” إلى وسيلة دائمة للمراقبة الشاملة بلا حدود.

								
								
								
								
                
                                                                    
                                                                    
                                                                    
                                                                    
														
														
														
														
								
					
					
					