تشهد العلاقات بين واشنطن وفنزويلا توترًا غير مسبوق، خاصة بعد تصريحات السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي اتهم حكومة الرئيس نيكولاس مادورو بـ“التعاون مع حزب الله” وتحويل البلاد إلى “قاعدة خلفية للمحور الإيراني في نصف الكرة الغربي”. وأكد أن “العمل العسكري أصبح احتمالًا واقعيًا”.
في المقابل، يرى مراقبون أن واشنطن تدرس خيار المواجهة المباشرة مع كراكاس، سواء عبر ضربات محدودة أو حصار عسكري موسّع. ويستند هذا التوجه إلى خمسة أسباب رئيسية تشكل جوهر الأزمة الحالية.
أولًا: التحدي السياسي – كسر الهيمنة الأميركية في القارة
منذ عهد الرئيس الراحل هوغو تشافيز، تبنت فنزويلا سياسة خارجية مناهضة لواشنطن، رافعة شعار “التحرر من الإمبريالية الأميركية”.
بالإضافة إلى ذلك، أسست تحالفات يسارية في أمريكا اللاتينية، ورفضت المشاركة في المبادرات التي تقودها الولايات المتحدة. لذلك، أصبحت فنزويلا هدفًا دائمًا في استراتيجية “احتواء النفوذ المعادي” التي تتبعها واشنطن.
ثانيًا: التحدي الاقتصادي – السيطرة على احتياطي النفط الأكبر في العالم
تُعد فنزويلا من أغنى دول العالم بالنفط، إذ تمتلك أكبر احتياطي مؤكد على وجه الأرض. علاوة على ذلك، تعاونت مع روسيا والصين في مشاريع النفط والغاز، مما أثار قلقًا كبيرًا في واشنطن.
كما حاولت كراكاس بيع النفط بعملات غير الدولار الأميركي، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة تهديدًا مباشرًا للنظام المالي العالمي. نتيجةً لذلك، فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية صارمة منذ عام 2017.
ثالثًا: التحدي الأيديولوجي – نشر الاشتراكية المناهضة لأميركا
على الصعيد الفكري، تمثل “الاشتراكية البوليفارية” التي أطلقها تشافيز تيارًا مضادًا للرأسمالية الأميركية.
فقد دعمت فنزويلا الحركات اليسارية في أمريكا الجنوبية، كما هاجمت النظام الاقتصادي الغربي في المحافل الدولية. وبالتالي، أصبحت كراكاس منبرًا للفكر المناهض للولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي.
رابعًا: التحدي الأمني – النفوذ الإيراني وحزب الله في القارة
اتهمت واشنطن مرارًا حكومة مادورو بأنها توفر ملاذًا لعناصر من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني.
في هذا السياق، وصف السيناتور ليندسي غراهام العلاقة بين فنزويلا وإيران بأنها “شراكة إرهابية خطيرة”، داعيًا إلى ضربات عسكرية محتملة داخل الأراضي الفنزويلية إذا ثبتت تلك الأنشطة.
كما يرى بعض المحللين أن واشنطن تخشى من توسع النفوذ الإيراني في أمريكا اللاتينية، خصوصًا بعد تعمّق التحالف بين كراكاس وطهران في مجالات النفط والطاقة والتسليح.
خامسًا: التحدي الدبلوماسي – معارضة السياسات الأميركية في الشرق الأوسط
من ناحية أخرى، تتبنى فنزويلا مواقف ثابتة ضد السياسة الأميركية والإسرائيلية في الشرق الأوسط.
على سبيل المثال، قطعت علاقاتها مع إسرائيل عام 2009 تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، وتدعم حق المقاومة ضد الاحتلال. كذلك، تؤكد دائمًا على حلّ الدولتين وفق قرارات الأمم المتحدة، وترفض أي مبادرة سلام أميركية تراها “منحازة لإسرائيل”.
وبسبب هذه المواقف، تعتبرها واشنطن “صوتًا سياسيًا مزعجًا” في المحافل الدولية، خاصة أن كراكاس تربط بين مناهضة الإمبريالية الأميركية ودعم القضايا العربية العادلة.
خلاصة المشهد
في ضوء كل ما سبق، يتضح أن الحرب المحتملة ضد فنزويلا – إن حدثت – لن تكون فقط بسبب النفط أو الاتهامات الأمنية، بل نتيجة صراع شامل على النفوذ والهوية السياسية في العالم الجديد.
كما أن فنزويلا، بمواقفها المناهضة لإسرائيل وبدعمها العلني لفلسطين، أصبحت جزءًا من معادلة عالمية تربط بين الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.
وبالتالي، فإن أي مواجهة مقبلة ستعيد رسم خرائط القوة والنفوذ في القرن الحادي والعشرين، حيث تتقاطع السياسة والاقتصاد والأيديولوجيا في مشهدٍ معقدٍ يعكس التحول في ميزان القوى الدولي.

								
								
								
								
                
                                                                    
                                                                    
                                                                    
                                                                    
														
														
														
														
								
					
					
					