في تطور مثير هزّ الأوساط السياسية والعسكرية في إسرائيل، أعلنت المدعية العسكرية العامة للقوات المسلحة يافات تومر-يروشالمي استقالتها رسميًا في 31 أكتوبر 2025، بعد اعترافها بأنها كانت وراء تسريب فيديو صادم يوثّق تعذيبًا واعتداءً جنسيًا على معتقل فلسطيني داخل مركز الاحتجاز المعروف باسم سدي تيمان في جنوب البلاد.
تفاصيل الفيديو المسرب
الفيديو الذي بثّته القناة 12 الإسرائيلية لأول مرة في أغسطس 2024 أظهر جنودًا إسرائيليين يحيطون بمعتقل فلسطيني مقيّد ويعتدون عليه بوحشية. وقد وُصف المشهد بأنه من “أبشع الانتهاكات” التي شهدتها السجون الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلك، أكدت منظمات حقوق الإنسان أن تلك اللقطات تشكّل دليلًا على ممارسات تعذيب ممنهجة بحق المحتجزين الفلسطينيين. علاوة على ذلك، طالبت هذه المنظمات بفتح تحقيق دولي عاجل حول الانتهاكات الجارية في منشأة سدي تيمان، التي تزايدت حولها الشكاوى منذ اندلاع الحرب على غزة.
اعتراف يافات تومر-يروشالمي واستقالتها
أقرت تومر-يروشالمي في خطاب استقالتها بتسريب الفيديو “لدحض الاتهامات”، لكنها اعترفت بأنه خرق للضوابط العسكرية والقانونية.
بررت قرارها بأنه محاولة لكشف تجاوزات داخل الجيش ودفع المؤسسة للاعتراف بالانتهاكات ومعالجتها.
رد الجيش الإسرائيلي
عقب الاستقالة، أعلن الجيش الإسرائيلي فتح تحقيق داخلي موسّع حول ملابسات التسريب والاعتداء ذاته. أثار القرار انقسامًا سياسيًا في إسرائيل؛ عدّه اليمينيون طعنة للجيش، ورآه الحقوقيون خطوة شجاعة ضد الإفلات من العقاب.
من جهة أخرى، يرى محللون أن استقالة المدعية العسكرية تمثل ضربة لهيبة المؤسسة العسكرية، التي تواجه منذ شهور اتهامات متصاعدة بانتهاك القانون الدولي الإنساني في تعاملها مع المعتقلين الفلسطينيين.
ردود الفعل الدولية والضغوط المتزايدة
أعادت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية تسليط الضوء على أوضاع المعتقلين الفلسطينيين. على سبيل المثال، أكدت “العفو الدولية” أن ما جرى في سدي تيمان “ليس حالة فردية بل جزء من سياسة منظمة”.
نتيجةً لذلك، دعت الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق مستقل في الانتهاكات الموثقة بالفيديو، معتبرة أن ما حدث يمثل خرقًا صارخًا لاتفاقيات جنيف المتعلقة بمعاملة الأسرى والمحتجزين.
أزمة داخلية تهز المؤسسة العسكرية الإسرائيلية
تُعدّ استقالة تومر-يروشالمي سابقة خطيرة، إذ كانت أول مسؤولة عسكرية تعترف بتسريب مواد تُدين الجيش نفسه.
كما أن هذه القضية قد تفتح الباب أمام إصلاحات داخلية في منظومة التحقيق والمساءلة. حذر محللون من أن الجيش يواجه اختبارًا غير مسبوق لثقة الجمهور amid تصاعد الانتقادات الدولية لسلوكه في حرب غزة.
تداعيات سياسية وأخلاقية
يرى مراقبون أن “فيديو التعذيب” أصبح قنبلة سياسية تهدد بتقويض صورة الجيش الإسرائيلي في الداخل والخارج. في المقابل، يعتبر مؤيدو تومر-يروشالمي أن تسريبها للفيديو كان عملاً ضميريًا هدفه كشف الحقيقة، وليس خيانة كما يدّعي خصومها.
تبقى القضية مفتوحة على جميع الاحتمالات، إذ قد يؤدي التسريب إلى ملاحقات قانونية دولية ويعيد النقاش حول مساءلة قادة الجيش أمام المحكمة الجنائية الدولية.
خاتمة
في النهاية، تمثل استقالة المدعية العسكرية لحظة فارقة في تاريخ إسرائيل الحديث. فهي تكشف صراعًا داخليًا بين واجب الصمت العسكري ونداء الضمير الإنساني. ومع استمرار تصاعد الضغوط الدولية، يبدو أن قضية سدي تيمان لن تكون الأخيرة، بل بداية سلسلة من التحقيقات قد تهزّ أركان المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

