في السنوات الأخيرة، برزت تقارير غربية تكشف وجهًا خفيًا لعالم التكنولوجيا في وادي السيليكون، حيث تتحول قصص الحب والزواج إلى أدوات استخباراتية في صراعٍ عالمي بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى.
فقد نشرت صحيفة The Times البريطانية وعدة وسائل دولية تقارير تؤكد أن أجهزة الاستخبارات الصينية والروسية تستخدم ما يُعرف بـ “حرب الجنس” أو Honey Traps، من خلال إرسال شابات جذّابات إلى رجال أعمال ومهندسين في الشركات الأميركية.
وبمرور الوقت، تتحول تلك العلاقات إلى شبكات تجسس ناعمة تستدرج الضحايا لتسريب أسرار الابتكار والملكية الفكرية.
سلاح قديم بحلّة جديدة
الأسلوب في الحقيقة ليس جديدًا. فمنذ الحرب الباردة استخدم الكي جي بي السوفييتي ما سُمّي بـ “الابتزاز العاطفي”.
لكن اليوم، المعركة تدور في قلب التكنولوجيا.
فالعلاقات الشخصية أصبحت بوابة لاختراق الشركات الناشئة ومختبرات البحث العلمي وأقسام تطوير الذكاء الاصطناعي.
على سبيل المثال، يقول أحد الخبراء الأميركيين:
“أتلقى باستمرار طلبات عبر LinkedIn من نساء صينيات شابات بمظهر متقارب وأسلوب مدروس. يبدو الأمر حملة منظمة لا صدفة.”
الاقتصاد والتجسس وجهان لعملة واحدة
لا تقتصر القصة على الغرام والزفاف، بل تمتد إلى الاقتصاد.
فوفقًا لتقارير أميركية، تكلف سرقة الملكية الفكرية الاقتصاد الأميركي نحو 600 مليار دولار سنويًا.
علاوة على ذلك، تشير التقديرات إلى أن جزءًا من هذه الخسائر سببه تسريبات بشرية ناعمة، وليس فقط هجمات إلكترونية.
لذلك، عندما يشارك مهندس يعمل في مشروع دفاعي أو في تطوير الذكاء الاصطناعي معلومات “بريئة” مع شريكته، قد تتحول تلك الأحاديث المنزلية إلى مصدرٍ استخباراتي بالغ الخطورة.
لماذا وادي السيليكون تحديدًا؟
وادي السيليكون هو القلب النابض للابتكار العالمي.
فهو يضم شركات ناشئة كبرى وصناديق استثمار ومختبرات جامعية ومشاريع متصلة بالأمن القومي الأميركي.
وبسبب ثقافة الانفتاح والاعتماد على رأس المال الأجنبي وكثرة الفعاليات الدولية، أصبحت البيئة مثالية للتسلل عبر العلاقات الاجتماعية والشخصية.
وبعبارة أخرى، فإن الانفتاح الذي جعل الوادي مركزًا للإبداع، جعله أيضًا هدفًا سهلًا للتجسس غير التقليدي.
تحذيرات استخباراتية متصاعدة
من جهة أخرى، حذّرت CIA وFBI مرارًا من هذه “الحرب غير التقليدية”، مؤكدتين أن التهديد لم يعد يقتصر على الفضاء الإلكتروني، بل وصل إلى العلاقات الخاصة وغرف النوم.
وبالإضافة إلى ذلك، قال خبراء الأمن إن هذا النوع من الاختراقات أصعب في الكشف والمواجهة لأنه يعتمد على المشاعر أكثر من البرمجيات.
وفي هذا السياق، علّق الملياردير إيلون ماسك ساخرًا:
“الخطر على التكنولوجيا الأميركية أحيانًا أقل من الفيروسات الإلكترونية، وأكثر من الفيروسات العاطفية.”
بين الحب والتجسس… معركة ناعمة على المستقبل
وهكذا، لم تعد قصص الزواج في وادي السيليكون مجرد حكايات شخصية.
فخلف بعض الوجوه الجميلة تكمن معركة دولية على أسرار التكنولوجيا والمستقبل.
وبينما تُستخدم المشاعر كوسيلة تجسس، تبقى الحقيقة ضبابية.
لكن المؤكد أن الحرب على الابتكار الأميركي دخلت مرحلة جديدة، عنوانها: الجاسوسية عبر القلوب.
ولذلك، أصبح من الضروري رفع الوعي داخل الشركات التقنية والجامعات لحماية الأسرار العلمية، لأن الاختراق قد يبدأ بابتسامة وينتهي بكارثة اقتصادية.

