يشكّل العهد البوليفاري علامة فارقة في السياسة الفنزويلية واللاتينية، إذ استلهم الرئيس الراحل هوغو تشافيز أفكار القائد التحرري سيمون بوليفار، مطلقًا مشروع “الثورة البوليفارية” عام 1999.
هدف المشروع إلى توزيع الثروة النفطية وتقليص الفوارق الاجتماعية، بالإضافة إلى تعزيز الاستقلال الوطني في مواجهة النفوذ الغربي، خصوصًا الأمريكي.
تناقضات داخلية وتحديات متراكمة
رغم الشعارات الثورية والوعود بتحقيق العدالة الاجتماعية، واجهت فنزويلا خلال العقود الماضية تحديات جسيمة.
أدت السياسات الاقتصادية غير المستقرة إلى انهيار حاد وتضخم مفرط، وتسببت الأزمات المتكررة في هجرة واسعة واحتقان سياسي متزايد.
يرى محللون أن هذه التناقضات جعلت “العهد البوليفاري” رمزًا للأمل لدى الفقراء والمهمشين، وفي الوقت نفسه مصدرًا للأزمات في نظر المعارضة والقطاع الخاص.
صراع القوى الكبرى على فنزويلا
على الرغم من أن الأزمة تبدو داخلية، إلا أن الصراع الدولي حول فنزويلا زاد من تعقيد المشهد.
تحافظ الولايات المتحدة على نفوذها التقليدي في أمريكا اللاتينية، بينما توازن روسيا والصين هذا النفوذ عبر دعمهما السياسي والاقتصادي لحكومة نيكولاس مادورو.
1. الولايات المتحدة
فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية مشددة على النفط والقطاع المالي الفنزويلي، كما دعمت المعارضة بهدف إسقاط نظام مادورو.
وعلاوة على ذلك، تعمل الولايات المتحدة على منع تمدد النفوذ الروسي والصيني في المنطقة.
2. روسيا
قدمت موسكو دعمًا عسكريًا واستراتيجيًا لكاراكاس، وساهمت في قروض وصفقات سلاح ضخمة، معتبرة فنزويلا موقعًا حيويًا لموازنة النفوذ الأمريكي في نصف الكرة الغربي.
3. الصين
أما بكين، فقد ضخت استثمارات هائلة في النفط والبنية التحتية، ووقعت عقودًا طويلة الأمد لتأمين احتياجاتها من الطاقة.
ومن ثم، ترى الصين في فنزويلا بوابة استراتيجية لتعزيز وجودها الاقتصادي في القارة اللاتينية.
مقارنة مع تجارب أمريكا اللاتينية
بالإضافة إلى فنزويلا، سلكت دول أمريكا اللاتينية الأخرى مسارات مختلفة في تعاملها مع واشنطن.
على سبيل المثال، تبنّت البرازيل سياسات يمينية في عهد بولسونارو، ثم عادت إلى توجهات اجتماعية معتدلة مع لولا دا سيلفا، من دون مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
أما تشيلي، فقد ركزت على التحول الديمقراطي والانفتاح الاقتصادي، بينما تراوحت الأرجنتين بين اليسار الشعبوي والإصلاحات الاقتصادية.
تبقى كوبا الأقرب إلى التجربة الفنزويلية، إذ اتبعت نهجًا ثوريًا مناهضًا لواشنطن منذ الستينات، ما جعلها حليفًا استراتيجيًا لكاراكاس.
سيناريوهات المستقبل
من المرجّح أن يتأرجح مستقبل “العهد البوليفاري” بين ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
- سيناريو الإصلاح والانفتاح:
إذا نجحت فنزويلا في التوصل إلى تسويات سياسية داخلية وإعادة هيكلة اقتصادها، فقد تستفيد من دعم إقليمي ودولي وتبدأ باستعادة استقرارها تدريجيًا. - سيناريو الاستمرار في المواجهة:
على الرغم من الضغوط، قد تواصل الحكومة نهجها الحالي في تحدي الغرب، مما سيبقي البلاد ساحة صراع بين واشنطن من جهة، وبكين وموسكو من جهة أخرى. - سيناريو التحول الإقليمي:
في حال نجاح التجارب المعتدلة في دول مثل البرازيل وتشيلي، قد تسعى فنزويلا إلى إعادة صياغة العهد البوليفاري بصيغة أكثر واقعية، تجمع بين السيادة الوطنية والانفتاح الاقتصادي.
خلاصة
في الختام، يُعدّ العهد البوليفاري رمزًا للتناقضات في أمريكا اللاتينية، إذ يجسّد صراعًا بين شعوب تنشد العدالة والسيادة، وأنظمة تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية معقدة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تنافس القوى الكبرى على النفوذ في القارة يجعل فنزويلا مركز اهتمام عالمي دائم.
لذلك، ستحدد قدرة كاراكاس على موازنة طموحاتها الثورية مع متطلبات الواقع الاقتصادي والسياسي ما إذا كان العهد البوليفاري تجربة مؤقتة أم نموذجًا دائمًا في تاريخ المنطقة.