لم يكن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هذا الأسبوع، عن تفويض وكالة المخابرات المركزية (CIA) بتنفيذ عمليات سرّية داخل فنزويلا مجرد خبر عابر في الساحة الدولية، بل خطوة تحمل أبعاداً خطيرة قد تُعيد تشكيل موازين القوى في أمريكا اللاتينية، وربما أبعد من ذلك. هذا التحرك يضع القانون الدولي وسيادة الدول على المحك.
1. واشنطن ومادورو: صراع ينتقل من العقوبات إلى العمل السري (H2)
العلاقة بين الولايات المتحدة ونظام نيكولاس مادورو ليست جديدة على التوتر. فمنذ سنوات، تصنّف واشنطن فنزويلا باعتبارها “نظاماً معادياً” و”مصدراً لتهديدات أمنية”.
إعلان ترامب الأخير يكشف عن انتقال المواجهة من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية إلى العمل الأمني والعسكري السري. هذا التصعيد يهدد بدفع المنطقة نحو مرحلة أكثر خطورة، خاصة وأن الولايات المتحدة ترى أن العمليات السرّية هي الأداة الأخيرة قبل اللجوء إلى تدخل عسكري مباشر.
2. ردود كاراكاس والقانون الدولي على المحك
الحكومة الفنزويلية سارعت لاتهام الولايات المتحدة بانتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي، ووصفت الإجراءات بأنها محاولة لإسقاط النظام بالقوة. أكدت كاراكاس عزمها اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي.
تُجمع غالبية التحليلات القانونية على أن العمليات السرّية ضد دولة ذات سيادة، دون تفويض أممي، تُعتبر خرقاً لمبدأ عدم التدخل المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة. هذا الموقف يزيد من احتمالات المواجهة الدبلوماسية والسياسية حول مفهوم الشرعية الدولية.
3. المواقف الدولية: لعبة توازنات كبرى في أمريكا اللاتينية
القرار الأمريكي يضع المنطقة في قلب التنافس الدولي الأوسع، حيث تترقب القوى العظمى فرصها:
- روسيا: من المتوقع أن ترفض موسكو الخطوة الأمريكية بشكل قاطع، وقد تزيد من وجودها العسكري أو الاستخباراتي في فنزويلا لدعم حليفها.
- الصين: ستسعى بكين لحماية استثماراتها الضخمة في قطاع النفط الفنزويلي، معززة الدعم الدبلوماسي والاقتصادي.
- أمريكا اللاتينية: الانقسام واضح، فبينما تبارك بعض الحكومات اليمينية التحرك، تعتبره دول أخرى تهديداً لاستقرار المنطقة وعودة لسياسة التدخلات.
الخلاصة: نحو حرب باردة جديدة؟
الإعلان الأمريكي لا يُقرأ فقط في سياق الصراع مع مادورو، بل أيضاً في إطار التنافس الدولي الأوسع: واشنطن تختبر حدود نفوذها، فيما تترقب موسكو وبكين فرصة لتعزيز حضورهما في “الحديقة الخلفية” لأمريكا. وبين حسابات القوة وخطوط القانون الدولي، يظل السؤال الأهم: هل نحن أمام مقدمة لـ حرب باردة جديدة في أمريكا اللاتينية؟