لم تعد المواجهة بين الصين والولايات المتحدة تقتصر على الرسوم الجمركية أو التنافس على الأسواق، بل انتقلت إلى عمق الصناعات الاستراتيجية، حيث تتحول المعادن النادرة إلى ساحة جديدة للصراع بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم. هذا التوتر يؤكد أن حروب الموارد هي العنوان الأبرز للمرحلة الجيوسياسية الحالية.
1. سيطرة بكين وورقة الضغط الجيوسياسية
تسيطر الصين على أكثر من 70٪ من إنتاج وتصدير هذه العناصر الحيوية. هذه الهيمنة تجعلها لاعباً حاسماً في سلاسل الإمداد العالمية للصناعات المتقدمة.
أعلنت بكين عن قيود مشددة على صادراتها من المعادن النادرة، مبررة ذلك بأسباب الأمن القومي. هذه الخطوة ليست مجرد قرار اقتصادي تقني، بل هي ورقة ضغط جيوسياسية تحمل رسائل واضحة إلى واشنطن والعالم: من يملك مفاتيح المواد الخام يملك نفوذًا يتجاوز حدود الاقتصاد إلى الأمن والسياسة.
2. رد واشنطن والتهديدات التجارية
في المقابل، ردت الولايات المتحدة بلهجة حادة، مهددة بفرض تعريفات تصل إلى 100٪ على السلع الصينية. تعتبر الإدارة الأمريكية أن ما تفعله بكين هو “احتكار لسلاسل الإمداد العالمية”، بينما تؤكد الصين أن قراراتها مشروعة وتنسجم مع القوانين الدولية. وبين الموقفين، يجد العالم نفسه أمام أزمة قد تعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية.
هذا التوتر بين بكين وواشنطن يسلط الضوء على هشاشة سلاسل التوريد واعتماد الغرب المفرط على المصادر الصينية في هذه المواد الحيوية.
3. المعادن النادرة: أساس صناعات المستقبل
الأخطر في هذا المشهد أن المعادن النادرة ليست سلعة عادية، بل هي أساس صناعات المستقبل. هذه العناصر تدخل في:
- التكنولوجيا الفائقة: من الرقائق الإلكترونية إلى الذكاء الاصطناعي.
- الطاقة المتجددة: البطاريات المتقدمة للمركبات الكهربائية.
- الدفاع والأمن: المعدات الدفاعية والاستخباراتية.
أي اضطراب في تدفقها سيترك أثرًا مباشرًا على الابتكار والتطور التكنولوجي في العقود المقبلة. هذا ما يجعل الصراع بين بكين وواشنطن حول هذه الموارد يكتسب بعداً استراتيجياً غير مسبوق.
خاتمة
التوتر الحالي يكشف عن حقيقة لا يمكن تجاهلها: نحن أمام بداية مرحلة جديدة من “حروب الموارد”، حيث يصبح التحكم في المواد الخام وسلاسل التوريد أهم من مجرد التفوق الصناعي أو التكنولوجي. ومع غياب بوادر تسوية، يبدو أن الصراع مرشح للاستمرار، مما يزيد من حالة عدم اليقين التي تظلل الاقتصاد العالمي.