لم يكن تدخّل الحكومة الهولندية للسيطرة على شركة Nexperia، المملوكة لمجموعة صينية، مجرّد إجراء اقتصادي محلي. بل هو خطوة تكشف عمق الحرب التكنولوجية الدائرة بين الغرب والصين، حيث أصبحت الرقائق الإلكترونية سلاحًا استراتيجيًا لا يقل أهمية عن النفط أو السلاح النووي. هذا القرار يطرح سؤالاً جوهرياً: هل هو دفاع اقتصادي أم اصطفاف في الصراع الجيوسياسي؟
1. التكنولوجيا والأمن القومي: لماذا “Nexperia” مهمة؟
شركة Nexperia، رغم أنها متخصصة في مكوّنات إلكترونية تبدو بسيطة مثل الترانزستورات والدوائر المتكاملة، إلا أنها تمثل حلقة أساسية في سلاسل التوريد العالمية. هذه المكونات تدخل في:
- الصناعات المدنية: الهواتف، السيارات الكهربائية، الأجهزة المنزلية، والأجهزة الطبية.
- المجالات الاستراتيجية: أنظمة الاتصالات المتقدمة والأنظمة العسكرية.
من هنا، ترى هولندا أن الملكية الصينية للشركة تهدد أمنها الصناعي وتفتح الباب أمام تسريب المعرفة التقنية إلى بكين. السيطرة على شركات الرقائق أصبحت الآن مسألة أمن قومي وليست مجرد استثمار أجنبي.
2. الغرب في مواجهة بكين: الضغط الأمريكي واللاعب الهولندي
القرار الهولندي لم يأتِ في فراغ. فهو يتناغم بشكل مباشر مع السياسة الأمريكية التي تضغط منذ سنوات على حلفائها الأوروبيين لتقييد وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة، خاصة في قطاع أشباه الموصلات.
هولندا، باعتبارها موطنًا لشركة ASML، صاحبة التكنولوجيا الأهم في صناعة آلات الطباعة الحجرية الفوق بنفسجية (EUV)، تدرك أنها أصبحت لاعبًا محوريًا في هذه المواجهة. التدخل في Nexperia هو رسالة واضحة للولايات المتحدة تؤكد التزام أمستردام بتضييق الخناق على تطلعات الصين التكنولوجية.
3. الاقتصاد والجغرافيا السياسية: رسالة أمستردام
رسالة أمستردام واضحة: لن يُسمح بأن تتحوّل الشركات الأوروبية إلى أذرع غير مباشرة في مشروع “الصين 2025”.
البُعد الاقتصادي | البُعد الجيوسياسي |
حماية المعرفة التقنية المحلية. | الاصطفاف مع معسكر الغرب بقيادة أمريكا. |
ضمان سلامة سلاسل توريد أوروبية. | منع توسع النفوذ التكنولوجي الصيني في أوروبا. |
الحفاظ على ميزة تنافسية أوروبية. | الدفاع عن موقع أوروبا في خريطة القوة العالمية. |
القرار ليس لحماية الوظائف أو السوق المحلي فحسب، بل هو دفاع عن موقع أوروبا في خريطة القوة العالمية. إنه إعلان اصطفاف ضمن معسكر الغرب في مواجهة الصعود الصيني، وإشارة إلى أن المستقبل يُكتب في مصانع الرقائق الإلكترونية.
خاتمة
في زمن تتداخل فيه التكنولوجيا بالسياسة والاقتصاد بالأمن، يصبح قرار مثل السيطرة على Nexperia أكثر من مجرد تدخل حكومي. إنه خطوة جيوسياسية بامتياز في حرب باردة جديدة، عنوانها: من يملك الرقائق يملك المستقبل. هذا القرار يؤكد أن الحرب على الرقائق هي المحور الجديد للصراع الدولي.