أثار تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مراسم توقيع اتفاق وقف الحرب ومعاهدة السلام في شرم الشيخ جدلاً واسعًا. إذ قال ترامب إن الاتفاق “أخذ ٣٠٠٠ سنة” حتى يتحقق. وعلى الرغم من أن العبارة تبدو توصيفًا بلاغيًا للصراع الطويل، إلا أنها تحمل دلالات عميقة ترتبط بالخطاب الصهيوني التقليدي.
ترديد مقولة صهيونية متوارثة
في المقابل، تستخدم الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية منذ عقود تعبير “٣٠٠٠ سنة” للإشارة إلى أن وجود إسرائيل في فلسطين ليس حدثًا معاصرًا، بل امتداد لتاريخ ديني/توراتي طويل. وعلاوة على ذلك، تهدف هذه الصياغة إلى تكريس فكرة أن عودة اليهود إلى فلسطين اليوم ليست احتلالًا حديثًا، بل تحقيقًا لحلم قديم.
لماذا استعملها ترامب؟
على سبيل المثال، يبدو أن ترامب أراد أن يضفي على اتفاق شرم الشيخ بُعدًا “حضاريًا” يتجاوز السياسة الراهنة. كذلك، أراد تصوير الاتفاق كأنه وضع حدًا لصراع تاريخي مزعوم. ولكن مع ذلك، يتماهى هذا التوصيف مع الرواية الصهيونية، متجاهلاً الحقائق التاريخية الحديثة. إذ تثبت الوثائق أن جذور القضية الفلسطينية مرتبطة بالاستعمار الحديث منذ وعد بلفور والانتداب البريطاني قبل نحو مئة عام فقط.
التناقض بين الأسطورة والواقع
بينما يروّج الإسرائيليون وبعض حلفائهم لفكرة “٣٠٠٠ سنة من التاريخ”، تكشف الحقائق على الأرض أن المشروع الصهيوني لم يتبلور إلا في نهايات القرن التاسع عشر. وبالتالي، يتحول الواقع إلى نحو مئة عام فقط. لذلك، يظهر التناقض بين خطاب “الألفيات الثلاث” وواقع “المئة عام”، ما يفضح حجم التلاعب بالرواية التاريخية. علاوة على ذلك، يجعل هذا تصريح ترامب تبنّيًا غير واعٍ لأسطورة صهيونية تتناقض مع التاريخ الحديث.
ردود فعل وانتقادات
كما اعتبر محللون وسياسيون عرب أن تكرار ترامب لمقولات صهيونية جاهزة ليس مجرد زلة لسان. بل هو تأكيد لانحيازه المطلق إلى الرواية الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، تشير بعض التحليلات إلى أن مثل هذه العبارات تُستخدم لتصوير الاحتلال كجزء من “قدر تاريخي”، بدلاً من كونه واقعًا استيطانيًا يجب إنهاؤه.
بين الخطاب السياسي والواقع
لذلك، بينما يسعى ترامب إلى تسجيل الاتفاق كـ”إنجاز تاريخي”، يبقى السؤال الجوهري: هل يمكن لخطاب يعتمد على سردية صهيونية أن يشكل أساسًا حقيقيًا لسلام عادل؟ وبناءً على ذلك، فإن تصريح ترامب أعاد إنتاج خطابًا طالما استخدمته إسرائيل لإضفاء شرعية تاريخية على وجودها في فلسطين. وبالتالي، يحيط علامات استفهام كثيرة باتفاق شرم الشيخ بشأن مرجعيته وروايته السياسية.
الخلاصة
باختصار، أثارت تصريحات ترامب جدلاً سياسيًا واسعًا لأنه كرر سردية صهيونية قديمة. بالإضافة إلى ذلك، يبرز التناقض بين الأسطورة والتاريخ الحديث. وعلاوة على ذلك، يعكس التصريح استمرار الانحياز للرواية الإسرائيلية على المستوى الدولي. لذلك، يجب على المحللين دراسة مثل هذه التصريحات بعناية لفهم الأبعاد السياسية الحقيقية وراء خطاب “السلام التاريخي”.