أعاد الأرشيف الوطني البريطاني نشر وثائق أثارت جدلًا حول لقاء قديم جمع رئيس الوزراء الأسبق توني بلير برجل الأعمال الأميركي الراحل جيفري إبستين. إذ عقد اللقاء في 14 مايو 2002 داخل مقر رئاسة الوزراء بلندن (10 داوننغ ستريت) واستمر أقل من نصف ساعة. ومع مرور الوقت، نظر المراقبون إليه في ضوء الفضائح التي لاحقت إبستين وعلاقاته المعقدة مع شخصيات سياسية واقتصادية نافذة.
تفاصيل اللقاء ودور ماندلسون
رتّب السياسي البريطاني لورد بيتر ماندلسون اللقاء. كما وصف إبستين في مراسلاته الداخلية بأنه “آمن” و”صديق مقرّب”. وضح ماندلسون أن إبستين ارتبط بعلاقات وثيقة بالرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وبالأمير أندرو، وأشار إلى أن كلينتون “أراد أن يعرّف بلير عليه”.
أعد المسؤول البريطاني ماثيو ريكروفت مذكرة تحضيرية قدم فيها إبستين لبلير كمستشار مالي للأثرياء ومطور عقاري على صلة بدوائر النفوذ الأميركية. كما أظهرت الوثائق أن بلير حضر اللقاء ضمن جدول مزدحم دون أهداف واضحة، ما أثار تساؤلات حول دوافعه.
تبريرات ومواقف رسمية
أكد المتحدث باسم بلير أن الاجتماع اقتصر على مناقشة العلاقات البريطانية – الأميركية فقط، وأنه كان قصيرًا ولم يتكرر. كما أوضح أن اللقاء حصل قبل معرفة الجرائم البشعة لإبستين، وأن بلير لم يلتقِ به مجددًا.
مع ذلك، كشفت الوثائق أن السلطات البريطانية أخرت نشر تفاصيل الاجتماع لسنوات بحجة الحفاظ على العلاقات الدولية، ما أثار تساؤلات حول طبيعة اللقاء وحساسية الشخصيات المرتبطة به. يرى مراقبون أن التأخير يعكس حرص السلطات على عدم كشف أي صلة بقادة سابقين بشخصيات مثيرة للجدل مثل إبستين، الذي ارتبط لاحقًا بفضائح أخلاقية واتهامات بالاتجار بالبشر واستغلال القاصرات.
قراءة تحليلية أعمق
أظهرت القضية أن السياسة الدولية تتقاطع أحيانًا مع شبكات المال والعلاقات الشخصية. ألقى ما تكشّف لاحقًا عن إبستين بظلال ثقيلة على كل من ارتبط به، رغم أن اللقاء لم يكن استثنائيًا.
برز اسم ماندلسون كحلقة وصل فتحت أبواب “داوننغ ستريت” لإبستين، ما عكس شبكة مصالح داخل النخبة البريطانية. علاوة على ذلك، أظهرت الواقعة هشاشة الحدود بين السياسة والمال، والخطر الذي تمثّله الشرعية التي تمنحها اللقاءات الرسمية لشخصيات مثيرة للجدل.
دلالات سياسية وإعلامية
كشفت القضية هشاشة الحدود بين السياسة والمال. نتيجةً لذلك، يرى خبراء أن الأحداث القديمة تستطيع إعادة تشكيل صورة الزعماء السابقين حتى بعد عقود. أيضًا، أشار محللون إلى أن استقبال إبستين في مقر رئاسة الوزراء أثبت نفوذه الدولي آنذاك، قبل أن تنهار صورته بسبب سلسلة الفضائح.
في المقابل، أكد فريق بلير أن اللقاء كان عابرًا ولم يتضمن أي مصالح خاصة، موضحين أن بلير لم يكن على علم بخلفية إبستين. ومع ذلك، استمرت التساؤلات حول أسباب استضافته في مكان يمثل قمة السلطة البريطانية.
بين الماضي والحاضر: ظلال على دور بلير في غزة
عاد الجدل حول اللقاء إلى الواجهة في توقيت حساس. إذ يطرح المسؤولون اسم بلير لتولي إدارة سلطة انتقالية دولية في غزة بعد الحرب. رأى مؤيدوه أن خبرته الدبلوماسية تساعد في استقرار المنطقة، بينما ذكّر منتقدوه بتاريخ بلير المثير للجدل وعلاقاته السابقة مع شخصيات غامضة مثل إبستين.
علاوة على ذلك، رأى المعارضون أن العلاقات القديمة قد تُضعف حياده وقدرته على إدارة ملف معقّد كالقضية الفلسطينية. ومع ذلك، أكد آخرون أن خبرته وتجربته التفاوضية تمكنه من أداء دور فعّال رغم الجدل المستمر حول ماضيه.