يثير اهتمام العالم مؤخرًا ما يتداول عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، بسبب اتباعهما إجراءات أمنية دقيقة تمنع ترك أي أثر بيولوجي خلال تحركاتهما الرسمية.
فرق أمنية متخصصة تتولى جمع وتنظيف كل ما قد يحتوي على بصمة وراثية (DNA) مثل الشعر أو العرق أو بقايا الأكل.
الهدف واضح: حماية البيانات الجينية ومنع استغلالها سياسيًا أو استخباراتيًا.
دوافع أمنية دقيقة
يتفق الخبراء على أن هذه الإجراءات تعكس وعيًا متزايدًا بمخاطر التكنولوجيا الحديثة.
فاليوم، يستطيع العلماء تحليل الحمض النووي لاكتشاف الحالة الصحية أو الصفات الوراثية لأي شخص.
وبالإضافة إلى ذلك، يخشى القادة تسرب هذه المعلومات إلى خصومهم.
فبعض الحكومات تعتبر الحمض النووي جزءًا من الأمن القومي لا يقل أهمية عن الوثائق السرية.
كما يرى محللون أن بوتين وكيم يسعيان إلى ضمان حماية شاملة لا تقتصر على الجانب المادي فقط.
فالأمن في هذا العصر لم يعد يقتصر على الحراسة أو المراقبة، بل يشمل البيانات الجينية والمعلومات الشخصية.
بين الحذر والاحتراف
بينما يرى البعض أن هذه الممارسات تمثل مبالغة في الحذر، يعتبرها آخرون قمة الاحتراف الأمني.
العالم اليوم يواجه تهديدات جديدة، بعضها غير مرئي.
على سبيل المثال، يمكن استخدام المعلومات الوراثية في تطوير أسلحة بيولوجية دقيقة تستهدف أفرادًا محددين.
ولذلك، يبدو أن حماية الحمض النووي أصبحت ضرورة وليست رفاهية.
في المقابل، يعتقد آخرون أن هذه السرية المفرطة تعكس خوفًا من العالم الخارجي.
لكن مع ذلك، يظل الحفاظ على الخصوصية أحد أهم مقومات القيادة في زمن تزداد فيه الاختراقات المعلوماتية.
التكنولوجيا تغيّر مفهوم الأمن
تطوّر الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات البيومترية جعل حماية الجسد والمعلومات وجهين لعملة واحدة.
الأنظمة الحديثة تستطيع تحليل الصوت، ملامح الوجه، وحتى المشي.
ولذلك، أصبحت حماية الحمض النووي امتدادًا طبيعيًا لحماية الخصوصية الرقمية.
علاوة على ذلك، يحذّر باحثون من احتمال تسليح المعلومات الوراثية في المستقبل.
ولهذا السبب، تتعامل بعض الدول مع الحمض النووي باعتباره ملفًا أمنيًا سريًا.
في روسيا وكوريا الشمالية، تشمل السياسة الأمنية السيطرة الكاملة على كل ما يخص القائد.
تحوّل عالمي قادم
نتيجة لذلك، يرى محللون أن هذه الإجراءات لن تبقى حكرًا على بوتين أو كيم.
بل قد تتحول إلى سياسة عالمية جديدة لحماية الزعماء.
فالتطور العلمي يفرض على الدول تحديث مفاهيمها الأمنية باستمرار.
في هذا السياق، بدأت بعض الدول الغربية في تحديث أنظمة حماية البيانات الجينية.
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعملان على قوانين تمنع إساءة استخدام المعلومات الحيوية.
كما أن بعض الجيوش تمنع جمع عينات بيولوجية من جنودها لحمايتهم من الاستهداف.
التحدي بين الخصوصية والرقابة
يبقى السؤال الأهم: أين تنتهي حدود الأمن وتبدأ الخصوصية؟
فكل إجراء أمني جديد يحمل جانبًا من المراقبة.
لكن مع ذلك، يرى مؤيدو هذه الخطوات أنها تقلل المخاطر وتزيد من السيطرة في عالم مفتوح.
وفي المقابل، يخشى المدافعون عن الحريات من أن تؤدي هذه السياسات إلى مستويات مفرطة من الرقابة.
ومع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي، قد يصبح من الصعب الفصل بين الحماية والمراقبة.
الخلاصة التحليلية
من الواضح أن حماية البصمة الوراثية لم تعد أمرًا هامشيًا.
بوتين وكيم يمثلان نموذجًا جديدًا لقادة يدركون أن المعلومة هي أخطر سلاح.
وبينما يسعى البعض إلى الانفتاح، يفضل آخرون التحصّن بالسرية التامة.
ومع تسارع تطور التكنولوجيا الطبية والاستخباراتية، من المتوقع أن تنتشر هذه الإجراءات عالميًا.
فالهوية الجينية أصبحت جزءًا من هوية الأمن القومي.
وفي النهاية، سيحدد المستقبل ما إذا كانت هذه السياسة تمثل قمة الحذر الذكي أم بداية عصر تفقد فيه الخصوصية معناها.