في وقت تتوسع فيه النقاشات العالمية حول تقليص ساعات العمل مقابل تعزيز الإنتاجية، تبرز الكويت محليًا كنموذج رائد في تطبيق الدوام المرن. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الحكومة لتجربة أنماط عملية توازن بين الأداء المؤسسي وراحة الموظف.
تجربة الدوام المسائي: خطوة أولى نحو تطبيق الدوام المرن
أعلن ديوان الخدمة المدنية في أغسطس 2025 انتهاء المرحلة الأولى من تجربة الدوام المسائي التي بدأت في يناير. نتيجةً لذلك، أظهرت النتائج المؤقتة:
- تحسين تقديم الخدمات الحكومية.
- تخفيف الازدحام المروري.
- منح الأسر خيارات أفضل للتوفيق بين العمل والمنزل.
بعد ذلك، وُجّه الديوان لتقييم التجربة خلال الأشهر الستة القادمة، تمهيدًا للمرحلة الثالثة التي تشمل تقارير تقييمية كل شهرين لضمان التحسين المستمر دون زيادة في ساعات العمل الرسمية.
خيارات الدوام المرن للموظف: حرية الحضور والانصراف
أصدر الديوان قرارًا يدعم نظام الدوام المرن للجهات الحكومية. يسمح النظام للموظف بالحضور بين الساعة 7 و9 صباحًا، مع إكمال 7 ساعات عمل يوميًا. كما أن النظام يتيح 4 خيارات للحضور والانصراف:
- 7:00 – 14:00
- 7:30 – 14:30
- 8:00 – 15:00
- 8:30 – 15:30
بالإضافة إلى ذلك، ضُبطت فترات السماح والتأخير بدقة، مع مرونة خاصة للموظفات لتسهيل ظروفهن.
الدوام المرن في رمضان: تقليص ساعات العمل مع المرونة
خلال رمضان 2025، قلّص ديوان الخدمة المدنية ساعات العمل إلى 4.5 ساعات يوميًا. على سبيل المثال، يمكن للموظفين اختيار وقت البدء ضمن خمس فترات زمنية مرنة، مع منح الإناث وقت سماح إضافي لضمان الراحة والدين معًا.
قانون العمل الكويتي: ضوابط وتعويضات
يحدد قانون العمل الكويتي أن الأسبوع العادي يصل إلى 48 ساعة. ومع ذلك، يمكن تطبيق 40 ساعة وفق سياسة الشركة.
أما العمل الإضافي، فيخضع لضوابط صارمة: ساعتان يوميًا، وثلاثة أيام في الأسبوع، لا يزيد عن 90 يومًا سنويًا، مع التعويض المالي:
- 125% خلال أيام العمل العادية.
- 150% عند العمل في العطلات، مع يوم راحة بديل.
- 200% خلال الإجازات الرسمية، مع يوم راحة أيضًا.
بيئة عمل إنسانية: نتائج الدوام المرن وتأثيره
تشير تجارب الدوام المسائي والمرن ورمضان إلى احترام الوقت الشخصي للموظف وتسهيل الحياة الأسرية دون التراجع عن الأداء المؤسسي. لذلك، يمكن تطوير أنماط عمل هجينة مثل 4 أيام عمل أسبوعيًا، والتوسع في العمل المرن في القطاع الخاص.
علاوة على ذلك، تسهم هذه التجارب في ترسيخ ثقافة الإنتاج المبني على النتائج لا الكم، مع ضمان رفاه الموظف. على الرغم من تقدم بعض الدول في تطبيق نماذج أسبوع العمل لأربعة أيام، تمتلك الكويت فرصة لتكون رائدة خليجيًا عبر صياغة نموذج مستلهم من بيئتها الاجتماعية والدينية والثقافية.
تغيير الثقافة المؤسسية: من الحضور إلى الإنجاز
التحدي الأكبر يكمن في تغيير الثقافة المؤسسية: من ثقافة “الحضور والانصراف” إلى “الأثر والإنجاز”. بالتالي، يجب على مؤسسات الدولة والقطاع الخاص العمل معًا لتأسيس بيئة عمل ذكية ومرنة تعتمد على النتائج، وتتيح للموظف المشاركة الفاعلة في الإنتاج والتنمية.
نتيجةً لذلك، فإن بناء مستقبل وظيفي أكثر إنسانية في الكويت والخليج أصبح ضرورة لضمان اقتصاد متماسك. فالقوة العاملة السعيدة والمتوازنة نفسيًا واجتماعيًا هي أساس أي مشروع وطني طموح وأي رؤية مستقبلية للتنمية الشاملة.
كما أن مسؤوليتنا جميعًا — حكومةً وقطاعًا خاصًا ومجتمعًا مدنيًا — هي إعادة صياغة معادلة العمل بما يتماشى مع طموحات الإنسان الكويتي، ليكون العمل وسيلة لتحقيق حياة كريمة وليس مجرد غاية تستهلك الوقت والطاقة.