امتدادًا لتوجيهات ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، الرامية إلى تعميق وتطوير الشراكة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية، وصل إلى الرياض يوم الاثنين وفد رسمي سوري برئاسة وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور محمد نضال الشعار، يرافقه عدد من ممثلي القطاع الخاص من الجانبين. وتأتي هذه الزيارة في إطار سعي البلدين إلى بناء جسور جديدة من التعاون الاقتصادي وتعزيز التكامل الإقليمي، بما يتوافق مع مستهدفات التنمية المستدامة ورؤية المملكة 2030.
خلفية الزيارة وأهميتها
أولًا، تأتي الزيارة استكمالًا لمخرجات المنتدى الاستثماري السعودي – السوري الذي انعقد الشهر الماضي في دمشق برعاية الرئيس السوري أحمد الشرع. علاوة على ذلك، شهد المنتدى مشاركة واسعة من أكثر من 100 شركة سعودية و20 جهة حكومية من المملكة. كما عكس هذا الحضور حرص البلدين على تعزيز العلاقات الاقتصادية وبناء شراكات متينة.
بالإضافة إلى ذلك، شهد المنتدى توقيع 47 مشروعًا استثماريًا بإجمالي استثمارات تجاوزت 24 مليار ريال سعودي. وشملت هذه المشاريع قطاعات متعددة مثل العقارات، والبنية التحتية، والاتصالات وتقنية المعلومات، والصناعة، والطاقة، والسياحة، والتجارة، والصحة. نتيجةً لذلك، ينظر إلى زيارة الوفد السوري إلى الرياض باعتبارها امتدادًا عمليًا لترجمة هذه الاتفاقيات على أرض الواقع.
مجالات التعاون المتوقعة
من جهة أخرى، تؤكد طبيعة المشاريع الموقعة أن هناك رغبة حقيقية لدى البلدين في دفع عجلة التعاون نحو مستويات أوسع. على سبيل المثال، يضع المسؤولون في السعودية قطاع الطاقة ضمن أولوياتهم الاستراتيجية، ويسعون إلى تبادل الخبرات مع نظرائهم في سوريا في مجالات الطاقة المتجددة والنفط والغاز. كذلك، يعتبر المسؤولون في البلدين أن قطاع السياحة يمثل ركيزة أساسية، إذ تمتلك سوريا مقومات سياحية وتاريخية غنية، بينما تمتلك المملكة خبرة واسعة في السياحة الدينية والترفيهية.
كما أن قطاع الصحة من المجالات الواعدة، إذ تسعى الشركات السعودية إلى الاستثمار في بناء مستشفيات ومراكز طبية حديثة داخل سوريا. في المقابل، يمكن للقطاع الصحي السوري الاستفادة من التكنولوجيا الطبية المتقدمة والخبرات الإدارية السعودية.
الأبعاد السياسية والاقتصادية
على الرغم من الطابع الاقتصادي للزيارة، إلا أن لها أبعادًا سياسية مهمة. فهذه الخطوة تعكس، من ناحية، رغبة المملكة في تعزيز مكانتها كقوة إقليمية ذات ثقل اقتصادي وسياسي. في المقابل، تعكس الزيارة حرص سوريا على إعادة الاندماج في محيطها العربي. كما تسعى دمشق إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية لدعم عملية إعادة إعمار بنيتها التحتية المتضررة.
مع ذلك، تبقى التحديات قائمة، خصوصًا فيما يتعلق بالبيئة الاستثمارية في سوريا التي ما زالت تواجه بعض العقبات. لكن، في حال تم تجاوز هذه العقبات، فإن النتائج ستكون إيجابية على البلدين معًا.
ارتباط الزيارة برؤية السعودية 2030
من الجدير بالذكر أن رؤية المملكة 2030 تركز بشكل واضح على تنويع الاقتصاد وتعزيز الشراكات الدولية. لذلك، فإن هذه الزيارة تأتي في وقت مناسب تمامًا، إذ تدعم أهداف السعودية في أن تصبح مركزًا إقليميًا وعالميًا في مجالات الاستثمار. علاوة على ذلك، فإن التعاون مع سوريا يفتح آفاقًا جديدة للشركات السعودية التي تبحث عن أسواق ناشئة وفرص استثمارية متنوعة.
التطلعات المستقبلية
أخيرًا، يُتوقع أن تعزز الزيارة العلاقات الاقتصادية عبر توقيع مذكرات تفاهم جديدة وإطلاق مشاريع مشتركة. بعد ذلك، يمكن القول إن هذه الخطوة تمثل بداية لمسار طويل من التعاون قد يعيد تشكيل الخريطة الاقتصادية في المنطقة.
وبهذا، يتضح أن زيارة الوفد السوري إلى الرياض ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل هي محطة استراتيجية تعكس توجهًا مشتركًا نحو بناء شراكة اقتصادية قوية ومستدامة بين البلدين الشقيقين.

