الأربعاء - 2025/10/15 10:18:17 مساءً

NE

News Elementor

هذا الموقع بــرعاية

“العلمُ ليس مجرَّد وسيلةٍ للمعرفة، هو أيضاً رحلةٌ ممتعةٌ تقود الأجيال نحو الفهم العميق للعالم”. البروفيسورة #مناهل_ثابت.

محتوي الخبر

 

 

في حوارها الأوَّلِ والحصري مع «سيدتي»، لا تكتفي البروفيسورةُ مناهل ثابت بفتحِ أبوابِ بيتها، بل وقلبها أيضاً، لتشارك العالمَ، عبر المجلَّةِ، جوانبَ نادرةً، وخاصَّةً من شخصيَّتها التي قلَّما يتمكَّن أحدٌ من رؤيتها. تعدُّ البروفيسورةُ مناهل من أبرزِ العلماءِ في مجالاتِ الرياضيَّات الكموميَّة، والهندسةِ الماليَّة على المستوى الدولي، وتمتلكُ شخصيَّةً استثنائيَّةً، تجمعُ بين العبقريَّة العلميَّة، والنضجِ الإنساني العميق. خلال هذا اللقاءِ المميَّزِ، تسلِّطُ الضوءَ على محطاتٍ من حياتها الشخصيَّة، وتجاربها التي لم تتطرَّق إليها من قبل، وتكشفُ عن الإنسانةِ التي تقفُ خلفَ الإنجازاتِ الكبرى، والروحِ التي تضيءُ لها دروبَ النجاحِ، والشغفِ العلمي. هذا الحوارُ فرصةٌ فريدةٌ للتعرُّفِ على البروفيسورةِ مناهل، ليس فقط بوصفها عالمةً عبقريَّةً، بل وإنسانةً أيضاً، تتَّسمُ برقَّةِ المشاعرِ، وعمقِ التفكير.

حوار | لمى الشثري Lama AlShethry

مديرة إبداعية | جايد شيلتون Jade Chilton

تصوير | غريغ أدامسكي Greg Adamski

مكياج | صوفي ليتش Sophie Leach

إنتاج | إيتشو دوكاو Icho Ducao

المجوهرات من فيري فيرنزي FerriFirenze

تصفحوا النسخة الرقمية لـ عدد سبتمبر 2024 من مجلة سيدتي

البروفيسورةُ مناهل إحدى القاماتِ العلميَّة البارزةِ عالمياً. حصلت على شهادةِ الدكتوراه في الهندسةِ الماليَّة، والدكتوراه في الرياضيَّات الكموميَّة، وتأتي بين عددٍ قليلٍ جداً من الخبراءِ في هذه المجالاتِ المعقَّدة. بفضلِ أبحاثها الرائدةِ، التي نُشِرَت في مجلَّاتٍ علميَّةٍ محكمةٍ منذ 2013، حازت مكانةً مرموقةً في الأوساطِ الأكاديميَّة العالميَّة.

تشغلُ البروفيسورةُ مناصبَ قياديَّةً عدة، فهي مبعوثٌ خاصٌّ للأمينِ العامِّ لاتحادِ دولِ الكومنولث في مجالَي العلومِ والتكنولوجيا، وبحكمِ دورها، تعملُ على تعزيزِ التعاونِ العلمي بين الدولِ الأعضاءِ الـ 56، ودعمِ تحقيقِ أهدافِ التنميةِ المستدامة. كذلك تشغلُ منصبَ مستشارٍ لرئيسِ مدينةِ الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنيَّة، ومنصبَ نائبِ المدير وبروفيسورٍ زائرٍ لمعهد IBCHN في كليَّة إمبريال كوليدج، وهي أيضاً عضوٌ في الجمعيَّة الملكيَّة البريطانيَّة للعلوم، ونائبُ رئيسِ شبكةِ الذكاءِ العالميَّة WIN، أكبر منصَّةٍ للذكاءِ العالي في العالم، كما أنها مؤسِّسةٌ ورئيسةٌ لشركةِ كونسورتيوم للاستشارات، التي تختصُّ ببنوكِ البياناتِ، والدبلوماسيَّة العلميَّة، والهندسةِ الماليَّة، وإعادةِ هيكلةِ الاقتصادِ المستدام.

وحظيت البروفيسورةُ مناهل، خلال مسيرتها الزاخرةِ بالنجاحاتِ، بتكريماتٍ عدة على مستوى العالم، من بينها جائزةُ «عبقريَّة العام» عقل العامِ البريطانيَّة، وجائزةُ جينيس للأرقامِ القياسيَّة في القدرةِ العقليَّة، وجائزةُ إنجازِ الشرقِ الأوسطِ في العلوم. كذلك تمَّ تصنيفها ضمن أذكى عشرِ شخصيَّاتٍ على قيدِ الحياة، وتكريمها بامتيازِ حريَّة لندن، ولقبِ فارسةِ سانت كاثرين.

وتمتلكُ البروفيسورةُ شخصيَّةً متعدِّدةَ الأبعاد، وتجمعُ بين الإبداعِ العلمي، والذكاءِ العاطفي، وهي مثالٌ يُحتذى به في المزجِ بين الطموحِ والإنسانيَّة.

ومن بين كوكبةِ علماءٍ متميِّزين على مستوى العالم، كانت البروفيسورةُ مناهل ثابت من الذين نالوا شرفَ الحصولِ على الجنسيَّة السعوديَّة بقرارٍ ملكي سامٍ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تقديراً لجهودها العلميَّة الرائدة، وإسهاماتها، وخبرتها الاستثنائيَّة في ميادينِ العلومِ والتكنولوجيا. في حديثها الخاصِّ لنا، تكشفُ البروفيسورةُ بعفويَّةٍ عن مشاعرها العميقةِ تجاه هذا التكريمِ الرفيع، وتأثيره في مسيرتها الشخصيَّة والعلميَّة، ما يتيحُ فرصةً نادرةً للتعرُّفِ على ما يدورُ في خاطرِ عالمةٍ عبقريَّةٍ، أثرت البشريَّة بعلمها، تجاه هذا التشريفِ الكبير.

يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط

“العلمُ ليس مجرَّد وسيلةٍ للمعرفة، هو أيضاً رحلةٌ ممتعةٌ تقود الأجيال نحو الفهم العميق للعالم”

البروفيسورة مناهل ثابت

يصفكِ العالمُ بالباحثةِ والعالمةِ، وتصفكِ موسوعةُ جينيس بأسرعِ مدقِّقةٍ ذهنيَّةٍ للخرائط، وتمَّ تصنيفكِ ضمن أذكى عشرِ شخصيَّاتٍ في العالم، كما تصفكِ منظَّمة دولِ الكومنولث بالمبعوثةِ الشخصيَّة للأمينِ العامِّ في مجالَي العلوم والتقنيَّة. بين تعدُّد الألقابِ، مَن هي الدكتورة مناهل ثابت الإنسانة؟ بين كلِّ هذه الألقابِ والمسمَّيات مناهل ثابت الإنسانة، هي ببساطةٍ شخصٌ، يسعى دائماً لاكتشافِ المزيد، ليس فقط في مجالاتِ العلمِ، والبحث، بل وفي فهمِ العالمِ المحيطِ بنا، وفهمِ ذواتنا بوصفنا بشراً أيضاً. أنا أؤمنُ بأن العلمَ وسيلةٌ للتواصلِ مع العالمِ، ووسيلةٌ للتعبيرِ عن حبِّ المعرفة، وحبِّ الخيرِ للإنسانيَّة. خلفَ كلِّ هذه الألقابِ، أنا مثل أي امرأةٍ طموحةٍ، ترى في العلمِ نافذةً للأمل، وفي العملِ الدؤوبِ طريقاً لتحقيقِ الأحلام. العلمُ بالنسبةِ لي، ليس مجرَّد وظيفةٍ، أو لقبٍ. إنه شغفٌ متجذِّرٌ في داخلي، يدفعني كلَّ يومٍ إلى الاستمرارِ على الرغمِ من التحدِّيات. في النهايةِ، أرى نفسي إنسانةً، تسعى دائماً إلى تقديمِ الأفضلِ للعالمِ والإنسانيَّة، مدفوعةً بحبٍّ لا ينضبُ للمعرفةِ، ورغبةٍ صادقةٍ في أن أكون جزءاً من بناءِ مستقبلٍ أفضل. أمَّا بالنسبةِ إلى الألقابِ فمن منظوري المتواضعِ الألقابُ قد تمنحك بريقاً، واعترافاً بإنجازٍ ما، لكنْ الشخصُ، هو الذي يضيفُ للقبِ قيمته بأفعاله، وأخلاقيَّاته، وتأثيره في المجتمع. بمعنى آخر، الألقابُ تكون جوفاءَ إذا لم يرافقها عمقٌ حقيقي، وإسهاماتٌ ملموسةٌ من الشخصِ الذي يحملها.

كيف بدأتِ الرحلة، وماذا يعني لكِ العلمُ؟ بدأت رحلتي مع العلمِ عندما كنت طفلةً صغيرةً، حين كان العالمُ بالنسبةِ لي كتاباً مفتوحاً، ومملوءاً بالألغازِ التي تنتظرُ مَن يكتشفها. كان يأتيني دائماً ذلك الشعورُ العميقُ في داخلي بأن هناك أكثر مما تراه العينُ، وأن وراءَ كلِّ ظاهرةٍ حكايةٌ، تنتظرُ أن تُروى. بدأتُ بالسؤالِ عن كلِّ شيءٍ، وبحثتُ عن إجاباتٍ، لم تكن دائماً سهلةَ المنال، لكنْ كلُّ خطوةٍ في طريقِ المعرفة، كانت تُشعِلُ داخلي شغفاً لا ينطفئ. العلمُ بالنسبةِ لي ليس مجرَّد مجموعةٍ من الحقائقِ، أو النظريات. إنه نبضُ الحياة. هو الوميضُ الذي يضيء ظلمةَ الجهل، ويمنحنا القوَّةَ، لنحلم، ونبتكر. العلمُ، هو رحلةٌ، نكتشفُ فيها ذاتنا قبل أن نكتشفَ العالم. هو تلك البوصلةُ التي تُرشدنا إلى الحِكمة، وتُعلِّمنا أن نبحثَ عن المعنى في كلِّ شيءٍ، حتى في أصغرِ التفاصيل. من خلال العلمِ، نفهمُ أن كلَّ سؤالٍ، يقودنا إلى سؤالٍ آخرَ، وأن الحياةَ، ليست عن الوصولِ إلى الإجابةِ النهائيَّة، بل عن متعةِ البحثِ عن الحقيقةِ، والاستمتاعِ برحلةِ الاكتشاف. العلمُ في جوهره، هو الإيمانُ بأن الإنسانَ قادرٌ على تجاوزِ الحدودِ الفكريَّة الاعتياديَّة، وأنه بالمعرفةِ، يمكننا بناءُ عالمٍ أفضلَ لنا وللأجيالِ القادمة.

رعاية خاصة للموهوبين

استناداً إلى تجربتكِ، ما أفضلُ الممارساتِ للتعاملِ مع الموهوبين؟ عندما كنت طفلةً، كنت أشعرُ بأن العالمَ من حولي، يتحدَّثُ بلغةٍ خاصَّةٍ، لغة لا يفهمها الجميع. كانت لدي أسئلةٌ كثيرةٌ، وأحلامٌ أكبر، وكانت الموهبةُ التي في داخلي، تُشعِرني بأنني مختلفةٌ، وأحياناً كانت تلك الاختلافاتُ، تشكِّلُ تحدياً في محيطي، وقد عانيتُ كثيراً من التنمُّر بسببها، لكنني كنت محظوظةً بوجودِ أشخاصٍ في حياتي، خاصَّةً أفرادَ عائلتي الذين عرفوا كيف يرعون تلك الموهبة، وقدَّموا لي الدعمَ اللازم، فحوَّلوا تلك الاختلافاتِ إلى نقاطِ قوَّةٍ، وفتحوا لي أبواباً للاستكشافِ والتعلُّم. من خلال هذه التجربةِ، أدركتُ أن التعاملَ مع الموهوبين، يحتاج إلى رعايةٍ خاصَّةٍ. الموهبةُ، هي بذرةٌ، تحتاج إلى تربةٍ خصبةٍ، وإلى رعايةٍ مستمرَّةٍ كي تزهر. من أهمِّ الممارساتِ فهمُ أن الموهوبين، يحتاجون إلى بيئةٍ، تحترمُ فضولهم، وتُشجِّعهم على الابتكار. يجبُ تقديمُ التحدِّياتِ التي تناسبُ قدراتهم، وفي الوقتِ نفسه، يجبُ أن تكون هناك مساحةٌ للخطأ، والتعلُّم منه. كما يجبُ أن يُعطى الموهوبون الفرصةَ للتعبيرِ عن أنفسهم بطرقٍ مختلفةٍ، سواءً كان ذلك من خلال العلمِ، الفنِّ، أو أي مجالٍ آخرَ. الأهمُّ من ذلك كلِّه، يجبُ أن يشعروا بالدعمِ العاطفي، والاعترافِ بقدراتهم. نحن في حاجةٍ إلى أن نكون مرشدين، وليس فقط معلِّمين، وألَّا نكتفي بتقديمِ المعرفةِ لهم، بل والحكمةِ أيضاً، إذ تُمكِّنهم من استخدامِ تلك المعرفةِ لصالح الإنسانيَّة. الموهوبون، هم الشموعُ التي تضيءُ مستقبلنا، وإذا تعاملنا معهم بشكلٍ صحيحٍ، فسيتمكَّنون من الإسهامِ في بناءِ عالمٍ أكثر إشراقاً وتقدُّماً.

في عصرنا التقني، كيف نزرعُ حبَّ العلمِ في الأجيالِ الجديدة؟ في عصرنا التقني الذي تتسارعُ فيه وتيرةُ الابتكارِ، والتغيُّر، يصبح زرعُ حبِّ العلمِ في نفوسِ الأجيالِ الجديدةِ مهمَّةً ملحَّةً، أعظم من أي وقتٍ مضى. لكي نغرسَ حبَّ العلمِ بعمقٍ في قلوبهم علينا أن نبدأ بتعريفهم بأن العلمَ، ليس مجرَّد معادلاتٍ، أو نظرياتٍ جافةٍ، وإنما رحلةُ استكشافٍ نحو فهمِ أسرارِ الكون، ووسيلةٌ لإشباعِ فضولهم الفطري حول العالمِ من حولهم. من أهمِّ الطرقِ لزرعِ هذا الحبِّ، أن نجعلَ من العلمِ مغامرةً، وأن نسمحَ لهم بتجربةِ الأمورِ بأنفسهم، وأن نمنحهم الفرصةَ لطرحِ الأسئلةِ الكبيرة حتى تلك التي لا نعرفُ لها إجاباتٍ إلى الآن. علينا أن نُعلِّمهم أن كلَّ فكرةٍ مهما كانت بسيطةً، أو معقَّدةً، يمكن أن تقودَ إلى اكتشافٍ عظيمٍ، وأن لا حدودَ للإبداعِ والابتكار. الأجيالُ الجديدةُ متعطشةٌ للمعرفة، لكنَّهم في حاجةٍ إلى مرشدين يلهمونهم، إلى أشخاصٍ، يرون فيهم العلماءَ، والمبتكرين الصغار الذين سيغيِّرون العالم. يجبُ أن نربطَ العلمِ بحياتهم اليوميَّة، وأن نُظهِر لهم كيف يمكن للعلمِ أن يحلَّ مشكلاتهم الصغيرةَ والكبيرة، وأن نخلقَ لهم بيئةً، يشعرون فيها بالأمانِ لتجربةِ الجديد، واختبارِ الأفكار. كما يجبُ أن نزرعَ فيهم القيمَ الإنسانيَّة التي تجعلُ من العلمَ أداةً للخير، وأن نعلِّمهم أن العلمَ، ليس فقط لاكتسابِ المعرفة، بل ولاستخدامها أيضاً في تحسينِ حياةِ الآخرين. إذا نجحنا في غرسِ هذه القيم، فسنخلقُ جيلاً، لا يكتفي فقط بحبِّ العلم، بل ويراه كذلك مسؤوليَّةً، وأداةً لبناء مستقبلٍ أفضل، وأكثر إشراقاً للبشرية. يُحزنني حقاً أن أرى جيلاً بازغاً، لا يعرفُ عن «تسلا» سوى أنها سيارةٌ كهربائيَّةٌ.

“الحلمُ كبيرٌ والهمَّة جبلُ طويقٍ ونحن بإذن الله من هذه الأرض، مستمرِّون.. نحلم ونحقِّق”

نسخة رقمية من كيان واقعي

حدِّثينا عن التوأمِ الرقمي، وكيف يمكن للذكاءِ الاصطناعي أن يساعدَ في مجال البحوثِ العلميَّة؟ التوأمُ الرقمي نسخةٌ رقميَّةٌ من كيانٍ واقعي، يتيح محاكاةَ، وتوقَّعَ النتائجِ دون الحاجةِ إلى التجاربِ الماديَّة. من خلال دمجه مع الذكاءِ الاصطناعي، يمكن تسريعُ عمليَّاتِ البحثِ العلمي، واكتشافُ الأنماطِ المخفيَّة، ما يوفِّرُ الوقتَ، والتكلفة، ويزيدُ من دقَّة النتائج. من إيجابيَّات التوأمِ الرقمي مع الذكاءِ الاصطناعي القدرةُ على تحسينِ النماذجِ باستمرارٍ، وتحقيقُ تقدُّمٍ سريعٍ في مجالاتٍ مثل الطبِّ، والهندسة. مع ذلك، فإنَّ الاعتمادَ المفرطَ على هذه التقنياتِ قد يقلِّلُ من التفاعلِ البشري المباشرِ مع الواقع، ما قد يؤدي إلى تقليلِ الفهمِ العملي لبعض التحدِّيات. إضافةً إلى ذلك، يتطلَّبُ إنشاءُ نماذجَ رقميَّةٍ دقيقةٍ مواردَ كبيرةً، وقد يكون معرَّضاً للأخطاءِ إذا لم يتم إدارتها بشكلٍ صحيحٍ.

مَن قدوتكِ العلميَّة؟ أؤمنُ بأنَّ كلَّ عالمٍ، قدَّم إسهاماً للبشريَّة، مهما كان صغيراً أو كبيراً، قدوةٌ علميَّةٌ بالنسبة لي. العلماءُ حاملو مشاعلِ المعرفة الذين بنوا جسورَ الفهمِ، والاكتشافِ عبر العصور، لكنْ إذا كان هناك شخصٌ، أخصُّه بالذكر، فهو البروفيسور مايكل كروفورد، العالمُ البريطاني الكبيرُ في إمبريال كوليدج، إذ تتلمذتُ على يديه، وتشرَّفتُ بزمالته بالمعهد نفسه، ولنا أبحاثٌ مشتركةٌ، نُشِرَت في مجلَّاتٍ علميَّةٍ محكمةٍ. البروفيسور كروفورد، ليس فقط مرشداً علمياً، ومعلِّماً فاضلاً، بل وكان له دورٌ عظيمٌ في تشكيلِ فهمي العميقِ لأغوارٍ علميَّةٍ عميقةٍ، وفهمِ كيفيَّة الدمجِ بين العلومِ المختلفة. من خلال إرشاداته وحكمته، تعلَّمتُ كيف يمكن للعلمِ أن يكون أداةً قويَّةً لخدمةِ البشرية، وكيف يمكن للأبحاثِ أن تؤدي إلى تغييراتٍ حقيقيَّةٍ، ومستدامةٍ في العالم. كان البروفيسور كروفورد، ولا يزالُ قدوةً، ليس فقط بعلمه، بل وفي تواضعه أيضاً، ودماثةِ أخلاقه، وإصراره على تحقيقِ الأفضل دائماً.

يمكن الاطلاع على قصة نجاح أخرى مع الدكتورة خلود المانع

فجوة بين العالِم والمجتمع

هل صحيحٌ أن هناك فجوةً بين العالِم والمجتمعِ على الرغمِ من أن معظم التسهيلاتِ التي أصبحت أساسياتٍ في أسلوبِ حياتنا، هي بفضلِ الله أوَّلاً، من ثم بجهودِ العلماءِ وابتكاراتهم، وكيف ترين هذه العلاقة؟ في واقعِ الأمر، نعم، هناك فجوةٌ بين العالِم والمجتمع! وهي فجوةٌ، تثيرُ في نفسي كثيراً من التأمُّل. على الرغمِ من أن العلماء، هم الذين يقفون خلفَ الابتكاراتِ التي تلامسُ حياتنا اليوميَّة، وتجعلها أكثر يسراً وراحةً إلا أن هذا الجهدَ العظيمَ غالباً ما يظلُّ خلفَ الكواليسِ غير مرئي، وغير مفهومٍ بشكلٍ كاملٍ من قِبل العامَّة. قد يعودُ هذا إلى تعقيدِ اللغةِ العلميَّة، أو ابتعادِ العلماءِ عن ساحاتِ التواصلِ المباشرِ مع المجتمع. شخصياً، لا أحبُّ أن يُطلَق عليَّ لقبُ «عالمةٍ»، لأنني مؤمنةٌ بعمقٍ، أن العلمَ المُطلقَ عند الله وحده، وأن الله لم يُؤتِنا من العلمِ إلا قليلاً، وقليلاً جداً. العالِمُ الحقيقي، هو الذي يدرك في كلِّ يومٍ، وساعةٍ، وثانيةٍ، أنه لا يزالُ طالباً للعلم، يسعى للفهمِ، ويبحثُ عن الحقيقةِ بتواضعٍ، وإخلاصٍ. العلاقةُ بين العالِمِ والمجتمع، يمكن أن تصبح أقوى وأعمقَ إذا ما تمكَّن كلُّ طرفٍ من فهمِ الآخر. يجبُ على العلماءِ ألَّا يكتفوا فقط بالسعي إلى اكتشافِ المجهول، بل وأن يعملوا أيضاً على نقلِ هذا العلمِ بطريقةٍ، تمسُّ قلوبَ الناس، وتلامسُ حياتهم اليوميَّة. في المقابلِ، على المجتمعِ أن يحتضن العلمَ، ويُقدِّره، ليس فقط بوصفه وسيلةً لتحقيقِ الراحة، أو التكنولوجيا، بل وبوصفه أيضاً جزءاً من رحلةِ الإنسانيَّة نحو الفهمِ الأعمقِ لوجودها. هنا يأتي دورُ الإعلامِ بالتوعيةِ، وإبرازِ دورِ العلماءِ، والباحثين، والمبتكرين، والمخترعين، وحتى المجتهدين الناشئين في المجالِ العلمي. بصراحةٍ، هناك تقصيرٌ إعلامي في هذا الصدد! عندما نصلُ إلى هذه النقطةِ من التفاهمِ، والتوعيةِ، والتقديرِ المتبادل، سنكتشفُ أن العلمَ، ليس بعيداً عن حياتنا اليوميَّة، بل هو النبضُ الذي يحرِّك التقدُّم، ويصوغ المستقبل. إن هذه العلاقةَ بين العالِم والمجتمعِ دعامةٌ أساسيَّةٌ لبناءِ غدٍ أفضل حيث يكون العلمُ في خدمةِ الإنسان، والإنسانُ في سعي دائمٍ للعلمِ بصدقٍ وتواضعٍ.

حدِّثينا عن تأسيسِ مركزِ القوى الذهنيَّة، أوَّلُ مركزٍ من نوعه في الشرقِ الأوسط؟ شغفي العميقُ بالعقلِ البشري، ورغبتي في الحفاظِ على قوَّته الذهنيَّة في عصرٍ، يشهدُ تطوُّراً تكنولوجياً متسارعاً، دفعاني إلى تأسيسِ أوَّلِ مركزٍ متخصِّصٍ في تدريب الخلايا الذهنيَّة بالشرق الأوسط. منذ إنشائه في دبي قبل ثمانيةِ أعوامٍ، بالتعاونِ مع معهدِ الكيمياء الدماغيَّة والتغذية البشريَّة التابعِ لـ «إمبريال كوليدج» البريطاني، حقَّق المركزُ تأثيراً إيجابياً في حياة الآلافِ من الناس، من ذلك زيادةُ التركيزِ حيث يساعدُ المركزُ الأفرادَ، من خلال التدريبِ المكثَّف، في تعزيزِ قدرتهم على التركيزِ والانتباه، ما يُمكِّنهم من أداءِ مهامهم بفاعليَّةٍ أكبر، وزيادةِ إنتاجيتهم في مختلفِ مجالاتِ الحياة. إلى جانبِ تعزيزِ الذاكرة، إذ يتضمَّن البرنامجُ تقنياتٍ متطوِّرةً لتحفيزِ الذاكرة، وتطويرِ قدرتها، بالتالي القدرة على استرجاعِ المعلوماتِ بشكلٍ أسرع وأكثر دقَّةً. كذلك يُطوِّر المركزُ عمليَّة اتخاذِ القرار عبر دعمِ الأفرادِ لتحسينِ مهاراتِ التفكيرِ الاستراتيجي واتِّخاذ القراراتِ المستنيرة لديهم، ما يساعدهم في التعاملِ مع التحدِّياتِ اليوميَّة بشكلٍ أفضل. وأخيراً يعملُ المركزُ على تحقيقِ الهدوءِ النفسي فالتدريبُ فيه يتضمَّن تقنياتِ الاسترخاءِ والتأمُّل التي تُحقِّق التوازنَ النفسي، وتساعدُ في إدارةِ التوتُّر والضغوط بشكلٍ أكثر فاعليَّةً.

إن رؤيةَ الأثرِ العميقِ لهذه الفوائدِ على حياةِ الأفراد، وتحسينَ جودةِ حياتهم، يُشعرانني بسعادةٍ غامرةٍ، وفخرٍ كبيرٍ بما حقَّقه مركز ثينك هب حتى الآن، لذا أتطلَّع بشوقٍ لافتتاحِ الفرعِ الأحدثِ والأكبر في الرياض حيث سنواصلُ توسيعَ دائرةِ المستفيدين من هذه الخدماتِ الفريدة، وتمكينَ مزيدٍ من الأشخاصِ من الوصولِ إلى أقصى إمكاناتهم الذهنيَّة لتحسينِ جودةِ حياتهم.

“متلازمةُ أسبرجر، منحتني رؤيةً خاصَّةً للعالمِ، وقدرةً على التركيزِ، والتعمُّقِ في الأمورِ التي أتعلَّمها، ما ساعدني في رحلتي العلميَّة”

العِلم أسلوب حياة

حدِّثينا عن والديكِ ونشأتكِ، وهل من ذكرى خاصَّةٍ تحملينها في قلبكِ؟ تربَّيت في أسرةٍ محبَّةٍ للعلم والمعرفة، وكان والداي مصدرَ الإلهامِ الأكبر في حياتي. والدي كان رجلاً حكيماً، عميقَ التفكير، وغرسَ فينا حبَّ الاستطلاعِ والبحثِ عن المعرفة، بينما كانت والدتي مثالاً حياً على القوَّةِ، والصبرِ، والتفاني في سبيلِ أسرتنا الصغيرة. منهما تعلَّمتُ أن العلمَ، ليس مجرَّد هدفٍ. إنه أيضاً أسلوبُ حياةٍ، وأن التواضعَ، والإصرارَ مفتاحَا النجاح. من الذكرياتِ العزيزةِ على قلبي تلك اللحظاتُ التي كنت أجلسُ فيها مع والدي، وأنا صغيرةٌ، ونتأمَّلُ النجومَ في سماءِ الليل. كان يُحدِّثني عن الكونِ وأسراره، ويروي لي قصصاً عن العلماءِ الذين قدَّموا للعالمِ اكتشافاتٍ عظيمةً. كنت أرى في عينَيه شغفاً لا حدودَ له، وكان يُشجِّعني دائماً على طرحِ الأسئلةِ مهما كانت بسيطةً، أو معقَّدةً. تلك اللحظاتُ، كانت تصوغُ في داخلي حبَّ العلمِ، والشغفَ بالمعرفةِ، وتزرعُ في قلبي يقيناً بأن كلَّ شيءٍ ممكنٌ إذا ما سعينا إليه بإخلاصٍ. كان والدي، يقولُ لي: مهما بلغتِ من العلمِ درجاتٍ، تذكَّري أن جذوركِ في الأرض، ومَن تواضعَ لله رفعه. اليوم، وأنا أسيرُ في دروبِ العلم، أشعرُ بوجودهما معي في كلِّ خطوةٍ أخطوها. أتذكَّرُ دائماً كلماتِ والدي، وتشجيعه لي، وأستمدُّ من والدتي قوَّتها، وصبرها. إن تلك الذكرياتِ، تؤكِّدُ لي دائماً بأنني أسيرُ على دربٍ، رسمته لي أيدٍ محبَّةٌ ومخلصةٌ

الاكثر قراءة

اشترك معنا

برعايـــة

حقوق النشر محفوظة لـ أخبار الكويت © 2025
تم تصميمه و تطويره بواسطة

www.enogeek.com