علي نجم.. صوت نجح بسرعة الضوء
وددتُ دائما أن أكتب عن نجم اسمه علي نجم حصد بالصوت نجاحا بسرعة الضوء. لكني كنت على الدوام أتردد لا بسبب غياب المعلومات أوالكلمات.. أبدا.. أبدا.. وإنما لأنني جهدت حثيثا للبحث عن معادلة تفوقه في عالم الإعلام الرحب وتفسيرها علني أضيف شيئا، فلا يكون كلامي مجرد إشادة لا تأتي بجديد.
من بين ما دفعني للتفكير في أمر المعادلة ذلك الطابور الطويل جدا من الشبان والشابات اليافعين الذين كانوا ينتظرون بأناة وصبر أن يوقع لهم كتابه الأول «زحمة حكي» في معرض الكتاب على مدى أيام التظاهرة الثقافية السنوية، وعلى حد سواء التفاعل الهائل مع كل ما يكتبه في وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يقوله في الإذاعة التي يبقيها قلعة ناجحة وحية في زمن تحولت فيه أغلب القلاع إلى آثار تاريخية تقليدية وأطلال من ماض وحنين.
منذ الصغر أحب القوانين الماثيماتيكية ومعادلاتها التي تأتي بنتائج منطقية ودقيقة، فأي عوامل تكاملت لتعطينا الناتج الذي يجسده علي نجم وتقدم لنا التفسير؟
قبل أن أشرع بكتابة هذه السطور راقبته مليا، وأحد أسباب تشجعي على المشاركة في لقاء إذاعي معه في «مارينا أف أم» في يونيو الماضي كان خوضنا تجربة استكشافية ومواجهة عن قرب.
لم تأت المقابلة بشكل منازلة أو مبارزة، بل تلقيت أسئلة واقعية، عملية، متسلسلة وهادفة من غير أي نقاش مسبق أو تحضير لها، تستدعي الإدلاء بمعلومة وتحليل ولا ترمي لاستفزاز شخصي.. كان لقاء لا زلت أسأل عن تفاصيله إلى اليوم ومناسبة أسعدتني وأثبتت لي انتصارا للإذاعة كمنصة ومساحة تعبير، واستمرار دورها المؤثر وحضورها الفاعل عندما يتوفر المحتوى اللائق والمدروس.
وتابعت إطلالة علي في مسلسل «اليوم الأسود» الرمضاني ليثير عبر ظهورين في مشهدي الاستهلال والختام ردود فعل واسعة.
وكنت قد حضرت حفل توقيع كتابه «زحمة حكي» الذي تصدر لاحقا مبيعات كل معارض الكتب التي طرح فيها بمضمونه البسيط وانسياب خواطره، عمل لم يبن على لغة استثنائية أو قصص خارقة بل على صفحات تنقل بواقعية شديدة مواقف إنسانية في غاية المباشرة والتلقائية.
عندها أيضا راودني التساؤل: ما الذي يجعل عملا بهذه البساطة يتكرس في هذا المصاف من النجاح؟ ولماذا يتكرر نجاح الشخص ذاته في الكتابة والدراما والإذاعة بما يدحض بشكل مطلق فرضية الصدفة والحظ؟
وراء مستوى كهذا من التفوق لابد من قدر جم من الذكاء والالتزام يجعل الممتنع سهلا والمستحيل ممكنا.. خاض علي مسيرته الإعلامية بأسلوب العمليات الانتخابية التي تقوم على مبدأ كسب الأصوات والأرقام. إن حصد الأصوات يرتبط بالقدرة على إقناع أصحابها، ولنيلها يجب فهمهم، إدراك ما يحتاجونه، ما يفتقدونه، ما يريدون سماعه ورؤيته وقراءته وتزويدهم به باستمرار، وكل ذلك بمشاعرهم ومفرداتهم، ومن زاويتهم المفضلة لرؤية الأمور..
بدلا من خوض طريق التقليد، اختار علي نجم بمثابرة وحرص على الإعداد المتقن درب الفهم والتفهم الذي قاده إلى أغلبية وصفها ب«الأغلبية الصامتة»، فصارت تتكلم من خلاله، تمنحه ثقتها، تدافع عن منطقه وأسلوبه.. جعل تلك الأغلبية تنطق: لا نريد تعقيدكم، فلفستكم، استغراقكم في التعمق المرهق، أو فذلكتكم..! نعم نريد كلامه البسيط، المعبر، والمتفهم وإن خلا حديثه من السياسة والرياضة والاقتصاد والأمور التي تستحوذ على ٩٠% من النقاشات العامة. الـ ١٠% من القضايا التي يركز عليها في الواقع تعني وتلامس الـ ١٠٠%.. ولذلك كسب علي مقعدا دائما ضمن الأغلبية!
تتباين آراؤنا في القضايا الخلافية، لكننا بالمقابل نتشارك جميعنا بالإنسانية، الحب، العلاقات البشرية، والحاجة للتعبير عن الخيانة والوفاء، التمرد والخضوع، القوة والضعف، التذكر والنسيان، الألم والأمل..وكل ما يكتب عنه علي نجم ويستمر.
في الإعلام نظريا وعمليا، إن ما يتطلبه الأمر كاريزما، ذكاء، «فهم حقيقي» للناس ومثابرة من خلال أي منصة متاحة حديثة كانت أو تقليدية.. والـ ١٠% ستكون على أقل تقدير ٥٠% +١.