الجمعة - 2025/12/12 6:18:35 مساءً

NE

News Elementor

هذا الموقع بــرعاية

وثائقي قاعدة أكروتيري… لحظة الحقيقة في اختبار نزاهة بريطانيا ومصداقيتها الأخلاقية

لم يكن الوثائقي الذي كشف تفاصيل حساسة عن الدور المحتمل للقاعدة الجوية البريطانية في أكروتيري بقبرص في تزويد القوات الإسرائيلية ببيانات استخباراتية مجرد مادة إعلامية عابرة. لقد فجّر أسئلة وجودية حول معنى الحياد البريطاني، وحول حدود التعاون العسكري مع حلفاء يواجهون اتهامات متزايدة بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، بل وأكثر من ذلك: فتح الباب للمرة الأولى أمام مساءلة سياسية مباشرة لرئيس الوزراء كير ستارمر، الذي يواجه اليوم اختباراً حقيقياً لمصداقيته أمام الداخل والخارج.

أولاً: سقوط رواية “عدم التورط”

على مدى شهور، تبنّت الحكومة البريطانية خطاباً ثابتاً: “نحن لا نشارك في عمليات قتالية، ولا نزوّد بأي معلومات يمكن استخدامها في استهداف مدنيين”.
لكن الوثائقي جاء محمّلاً بصور وبيانات طيران وتحليلات استخباراتية تؤكد أن رحلات استطلاع انطلقت من قاعدة أكروتيري خلال الأيام التي شهدت ضربات قاتلة، من بينها الغارة التي أودت بحياة عاملين بريطانيين في مجال الإغاثة.

قد لا يحمل الوثائقي دليلاً جنائياً مباشراً، لكنه أحيا سؤالاً مؤرقاً:
هل كانت الحكومة تعلم حقاً أن المعلومات التي تجمعها طائراتها تُستخدم في عمليات غير قانونية؟
وإذا كانت تعلم، فهل صمتت؟ أم أنها فضّلت “التحالف الاستراتيجي” على القيم الأخلاقية التي تباهي بها لندن دوماً؟

ثانياً: ستارمر بين المطرقة والسندان

كير ستارمر، الذي جاء إلى السلطة رافعاً شعار “إعادة الاعتبار لبريطانيا الأخلاقية”، يجد نفسه الآن في موقف لا يُحسد عليه. فالدعوات تتكاثر داخل البرلمان لفتح تحقيق مستقل، بينما تطالب العائلات الثكلى والمتظمات الحقوقية بمعرفة:
من الذي سمح؟ ومن الذي صمت؟ ومن الذي وقّع على العمليات؟

ستارمر محامٍ مخضرم، ويعرف تماماً أن الخطر الأكبر ليس قضائياً بل سياسياً.
ففي عالم تُنشر فيه الحقائق قبل أن تستقرّ على مكتب القضاء، قد يكفي مجرد الشك لتقويض زعامة رئيس وزراء.

ثالثاً: التحالف مع واشنطن وتل أبيب… ثمنه أصبح باهظاً

لطالما اعتمدت السياسة الخارجية البريطانية على التماهي مع التوجهات الأمريكية والإسرائيلية، خصوصاً في ملفات الأمن الإقليمي.
لكن الوثائقي يسلّط الضوء على الثمن السياسي لهذا التماهي:
• ضرب مصداقية بريطانيا كدولة “تحترم القانون الدولي”.
• إضعاف قدرتها على لعب أي دور وساطة في الشرق الأوسط.
• تعميق الشرخ داخل المجتمع البريطاني بين مؤيدي الحكومة ورافضي دعم إسرائيل بلا شروط.

باختصار، يظهر الوثائقي أن لندن باتت جزءاً من المشكلة، لا جزءاً من الحل.

رابعاً: الإعلام الاستقصائي يعود لقيادة المساءلة

الوثائقي يعيد الاعتبار لدور الصحافة في فضح ما تُريد الحكومات إخفاءه.
وليس سراً أن الملفات المتعلقة بالقواعد البريطانية في الخارج تُدار منذ عقود بمنطق “المحظور الاقتراب منه”.
اليوم، بعد التسريب والبحث الميداني والخرائط والصور الجوية، لم يعد بالإمكان إغلاق الملف أو تجاهله.

لقد أصبح هذا الوثائقي فاتحة لمسار طويل من التحقيقات المحتملة، وقد تكون بدايته في البرلمان، لكن نهايته لا يمكن التنبؤ بها.

خامساً: بريطانيا أمام خيار تاريخي

لن يغيّر هذا الوثائقي قواعد اللعبة العسكرية فحسب، بل سيجبر بريطانيا على اتخاذ قرار حاسم:
هل تستمر كدولة تغلّب “ضرورات التحالف” على قيمها التاريخية؟
أم تعيد رسم حدود تعاونها العسكري بما ينسجم مع القانون الدولي وحقوق الإنسان؟

إنه اختبار ليس لكير ستارمر وحده، بل لرؤية بريطانيا لنفسها:
هل تريد أن تكون “صوت القانون” أم “ظل القوة”؟

خاتمة: تداعيات أكبر مما يبدو

لا، لن يضع الوثائقي ستارمر خلف القضبان على الأقل ليس الآن لكنّه وضع حكومته في قفص الاتهام الأخلاقي والسياسي.
وإذا استمرت التسريبات وبدأت لجان التحقيق عملها، فقد يتحول الوثائقي من صدمة إعلامية إلى أزمة سياسية كاملة تهزّ حكومة ستارمر وربما تُعيد تشكيل المشهد البريطاني بأكمله.

في زمن أصبح فيه كل تحليق لطائرة وكل إشارة رادار موثّقة، قد تكون الحقيقة أكبر من أي محاولة لإخفائها… وقد تكون كلفتها السياسية أعلى مما يتوقعه البعض.

اقرأ ايضًا:

برعايـــة

حقوق النشر محفوظة لـ أخبار الكويت © 2025
تم تصميمه و تطويره بواسطة

www.enogeek.com