تعيش هوليوود واحدة من أكثر مراحلها اضطراباً، مع احتدام الصراع بين شركتي نتفليكس وباراماونت سكاي دانس للاستحواذ على استوديو وارنر براذرز العريق، في مشهد يصفه عاملون في الصناعة بـ«الكارثة» و«الكابوس»، وسط مخاوف متزايدة من موجة جديدة من تسريحات الوظائف وتغيّر جذري في مستقبل السينما والتلفزيون.
ويأتي هذا التطور في وقت تعاني فيه صناعة الترفيه أصلاً من ركود حاد في الإنتاج، بعد سنوات من الاضطرابات التي أعقبت جائحة كورونا، ثم الإضرابات المتزامنة للكتّاب والممثلين في عام 2023، والتي أوقفت عجلة الإنتاج لأشهر، من دون أن يعود الزخم السابق بعدها.
إرث سينمائي مهدد
يُنظر إلى تراجع وارنر براذرز، الاستوديو الذي قدّم أيقونات سينمائية خالدة مثل كازابلانكا والأصدقاء الطيبون وباتمان وهاري بوتر، بوصفه خسارة رمزية وثقافية لهوليوود. فبيع الاستوديو يعني عملياً تقلص عدد الجهات القادرة على تمويل وإنتاج الأفلام والمسلسلات الكبرى، ما يضيّق الفرص أمام المبدعين.
وبحسب السيناريو المطروح، قد تستحوذ نتفليكس على «جواهر التاج» في وارنر براذرز، بما يشمل الاستوديو نفسه وخدمة HBO والأرشيف الضخم من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، بينما تُترك الشبكات التلفزيونية التقليدية مثل CNN وTNT Sports وDiscovery لمشترٍ آخر.
مخاوف سياسية وتمويل أجنبي
في المقابل، تقدمت باراماونت سكاي دانس بعرض استحواذ عدائي تُقدّر قيمته بنحو 108 مليارات دولار، مدعوم بتمويل من السعودية وأبوظبي وقطر، إضافة إلى صندوق استثماري أسسه جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذا الأمر أثار مخاوف في هوليوود من احتمالات الرقابة أو التدخل السياسي في المحتوى الإعلامي.
وزاد الجدل بعد تصريح الرئيس ترامب بأن «من الضروري بيع شبكة CNN»، ما اعتبره كثيرون تدخلاً سياسياً مباشراً في ملف إعلامي حساس.
من هو “الشرير”؟
رغم الانقسام بين من يفضّل نتفليكس ومن يرى أن باراماونت أقل ضرراً، يتفق كثيرون في هوليوود على تحميل ديفيد زاسلاف، الرئيس التنفيذي لشركة وارنر براذرز ديسكفري، مسؤولية ما آلت إليه الأمور. فقد حصل زاسلاف على تعويضات بلغت 51.9 مليون دولار العام الماضي، في وقت خسرت فيه الشركة أكثر من 11 مليار دولار وتراجع سهمها بنحو 7%.
ويقارن بعض العاملين زاسلاف بشخصية «غوردون غيكو» الشهيرة في فيلم وول ستريت، رمز الجشع في عالم المال، متهمين إياه بتفكيك إرث وارنر براذرز وبيعه قطعةً قطعة. في المقابل، دافعت الشركة عن قيادته، مؤكدة أنها استعادت موقعها الريادي وقدمت مجموعة أفلام قوية، وأعادت إطلاق عالم DC، ونجحت في جعل خدمة البث مربحة لأول مرة.
مستقبل غامض
بالنسبة لكثير من العاملين خلف الكاميرا وأمامها، يبدو اسم المشتري أقل أهمية من واقع الصناعة المتقلصة، حيث يتجه الجميع لإعادة ابتكار أنفسهم في ظل الاندماجات المتسارعة وصعود الذكاء الاصطناعي. وبينما يرى بعضهم أن نتفليكس، رغم كونها مدمرة لنموذج دور السينما التقليدية، قد تكون الخيار «الأقل سوءاً»، يخشى آخرون من أن يؤدي نفوذ شركات التكنولوجيا العملاقة إلى إنهاء تجربة السينما على الشاشة الكبيرة.
وفي استوديوهات وارنر براذرز، لا يزال السياح يلتقطون الصور أمام ديكورات مسلسل فريندز، فيما يواصل بعض المنتجين والكتّاب عملهم كالمعتاد، بانتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة. لكن الثابت الوحيد، بحسب كثيرين في هوليوود، أن معركة وارنر براذرز ليست مجرد صفقة تجارية، بل لحظة مفصلية قد تعيد رسم خريطة صناعة الترفيه العالمية.
اقرأ أيضًا:

