الجمعة - 2025/12/12 12:24:57 مساءً

NE

News Elementor

هذا الموقع بــرعاية

عقلية كوشنر بين هارفارد وشرم الشيخ: كيف يمكن أن تصنع السلام؟

تصريحات جاريد كوشنر في مقابلته بجامعة هارفارد تكشف بوضوح طبيعة العقلية التي ما زالت تحكم نظرة بعض الدوائر الأمريكية والإسرائيلية إلى قطاع غزة. لم تكن كلماته مجرد رأي شخصي، بل عكست ذهنية ترى غزة أرضًا عقارية على البحر، وليست موطنًا لملايين البشر.

غزة كواجهة بحرية لا ككيان إنساني

في المقابلة، تجاهل كوشنر الحديث عن معاناة شعب محاصر منذ أكثر من سبعة عشر عامًا، وركّز بدلًا من ذلك على ما سماه “قيمة الواجهة البحرية” لغزة. كما تحدث عن “الفرص الاستثمارية” المهدرة بسبب وجود أنفاق المقاومة بدل الجامعات والمراكز التكنولوجية.
بالإضافة إلى ذلك، أظهر طرحه رؤية تجرّد غزة من بعدها الإنساني، وتحوّلها إلى قطعة أرض قابلة للبيع أو الاستثمار لصالح إسرائيل أو جهات أجنبية بعد “تنظيفها” من سكانها.
وبمعنى آخر، اختزل كوشنر المأساة الإنسانية في معادلة عقارية باردة.

مشروع التهجير المقنّع

الأخطر في حديثه ما وصفه بـ “الخيار الأفضل”، أي نقل سكان غزة إلى مصر أو صحراء النقب، ثم إدخال القوات لـ “إنهاء المهمة”.
وعلى الرغم من أنه استخدم لغة دبلوماسية، فإن المعنى واضح: تهجير جماعي منظم يذكّر بصفحات مظلمة من التاريخ.
لذلك، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكن لعقلية ترى التهجير حلًا أن تشارك في عملية سلام حقيقية؟

رفض الدولة الفلسطينية

علاوة على ذلك، رفض كوشنر فكرة إقامة دولة فلسطينية، واعتبرها “فكرة سيئة للغاية” لأنها – حسب قوله – “مكافأة للإرهاب”.
وبسبب هذا الموقف، تجاهل الاحتلال المستمر والحصار الطويل والمجازر المتكررة، وكأن الفلسطينيين لا يستحقون دولة أو هوية سياسية.
في المقابل، اعتبرهم مجرد “مستأجرين مزعجين” في عقار استراتيجي يجب إدارته أمنيًا لا سياسيًا.
وبالتالي، يظهر أن هذه العقلية لا تسعى إلى الحل، بل إلى الإلغاء.

أي سلام على هذا الأساس؟

تجتمع اليوم وفود من مصر وقطر والولايات المتحدة، إضافة إلى ممثلين عن الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، في شرم الشيخ لمحاولة التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب.
لكن، على الرغم من الجهود الدولية، يظل التساؤل قائمًا: كيف يمكن لمفاوضات أن تنجح بعقلية مثل عقلية كوشنر؟
فالعقلية التي ترى الأرض أهم من الإنسان، وتعتبر التهجير خيارًا عمليًا، وترفض الدولة الفلسطينية، لا يمكن أن تصنع سلامًا.
على العكس، هذه الرؤية تؤجج الصراع وتغذي مشاعر الكراهية.

ما وراء صفقة القرن

كوشنر هو مهندس “صفقة القرن” التي فشلت سياسيًا قبل أن تُنفذ. ومع ذلك، يعيد اليوم المنطق نفسه: لا دولة، لا حق عودة، ولا سيادة.
وبدل الاعتراف بالحقوق، يقترح تحسين الظروف المعيشية تحت الاحتلال.
وبسبب هذه الرؤية المحدودة، يتحول الملف الفلسطيني إلى مشروع اقتصادي بدلًا من قضية حرية وعدالة.
نتيجةً لذلك، فإن استمرار هذه الذهنية سيحوّل القمم السياسية إلى محطات مؤقتة تسبق جولات جديدة من الدم والدمار.

السلام يحتاج إلى عقلية جديدة

ختامًا، إن السلام الحقيقي لا يقوم على منطق “التطهير الديموغرافي” أو “الاستثمار العقاري”.
بل يحتاج إلى عقلية تعترف أولًا بحق الفلسطينيين في الأرض والكرامة والدولة المستقلة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن أي مبادرة لا تنطلق من هذا الاعتراف ستظل مجرد محاولة لتجميل الصراع دون إنهائه.
لذلك، فإن عقلية كوشنر قد تصلح لإدارة الأعمال، لكنها لا تصلح لبناء سلام عادل في واحدة من أعقد القضايا السياسية في العالم.

برعايـــة

حقوق النشر محفوظة لـ أخبار الكويت © 2025
تم تصميمه و تطويره بواسطة

www.enogeek.com