في تحوّل لافت في أدوات التأثير السياسي والدعائي، تكشف معطيات إعلامية حديثة، نشرتها TRT World، عن اعتماد الكيان بشكل متزايد على التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والإعلان الرقمي، في إطار استراتيجية واسعة تهدف إلى إعادة صياغة الرأي العام العالمي، ولا سيما في ما يتصل بالحرب على قطاع غزة وتداعياتها الإنسانية.
عقود مع شركات ذكاء اصطناعي وإعلام رقمي
بحسب المعلومات المتداولة، وقّعت جهات مرتبطة بحكومة الكيان في سبتمبر 2025 عقدًا بقيمة 6 ملايين دولار مع شركة اتصالات أمريكية لتوجيه إجابات روبوتات الدردشة ونتائج محركات البحث نحو سرديات أكثر تأييدًا للكيان المحتل، مع تركيز خاص على مستخدمي الذكاء الاصطناعي من فئة الشباب (Gen Z).
ويثير هذا المسار أسئلة عميقة حول حياد أنظمة الذكاء الاصطناعي، وحدود التدخل السياسي في بنية المعرفة الرقمية التي يعتمد عليها الملايين حول العالم.
استهداف “الجيل الرقمي” عبر المؤثرين
في موازاة ذلك، تشير المعطيات إلى تخصيص ما يصل إلى 900 ألف دولار لشركات تسويق عبر المؤثرين، بهدف نشر محتوى مؤيد للكيان على منصات مثل TikTok و Instagram ، مع تركيز واضح على الجمهور الأمريكي الشاب.
ويرى خبراء إعلام أن هذا النهج يعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية “اقتصاد الانتباه”، حيث لم تعد البيانات وحدها كافية، بل أصبحت المشاعر واللغة البصرية أدوات مركزية في الصراع على السردية.
توظيف الخطاب الديني في الفضاء الأمريكي
كما كشفت التقارير عن عقد آخر بقيمة 3 ملايين دولار مع شركة علاقات عامة أمريكية متخصصة في الخطاب الديني، بهدف الترويج لرسائل مؤيدة للكيان داخل الكنائس والجامعات المسيحية في الولايات المتحدة.
ويعكس هذا التوجه محاولة لربط الصراع السياسي بسرديات دينية وأخلاقية، بما يعزز الدعم داخل دوائر اجتماعية مؤثرة تقليديًا في القرار السياسي الأمريكي.
الإعلانات الرقمية ونفي الأزمة الإنسانية
الأكثر إثارة للجدل هو ما أُشير إليه من إنفاق يقارب 50 مليون دولار على إعلانات رقمية عبر منصات كبرى مثل Google و Meta و X ، بهدف التشكيك أو نفي تقارير تتحدث عن مجاعة وأوضاع إنسانية كارثية في غزة، مع استهداف جمهور دولي ناطق بالإنجليزية.
وفي هذا السياق، تشير تقارير إلى تخصيص 45 مليون دولار لشركة جوجل لتعزيز ظهور روايات الكيان في نتائج البحث والإعلانات المرتبطة بكلمات مفتاحية مثل “غزة” و”المساعدات الإنسانية”، وهو ما يطرح تساؤلات حادة حول استقلالية منصات البحث والإعلان، ومدى خضوعها للضغوط المالية والسياسية.
بين النفوذ والحوكمة الرقمية
تعكس هذه التحركات انتقال الصراع من ساحات السياسة والدبلوماسية التقليدية إلى فضاء “الحوكمة الرقمية”، حيث تتقاطع التكنولوجيا مع القوة الناعمة. وبينما تؤكد الجهات في الكيان المحتل أن هذه الجهود تندرج ضمن “الدفاع عن الرواية الرسمية”، يحذّر مراقبون من مخاطر تسييس الذكاء الاصطناعي والإعلان الرقمي، لما لذلك من تأثير مباشر على تشكيل الوعي العالمي، وتآكل الثقة في المنصات التكنولوجية الكبرى.
وفي ظل غياب أطر دولية واضحة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في النزاعات السياسية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل أصبح الرأي العام العالمي ساحة حرب رقمية جديدة، تُدار بالخوارزميات بقدر ما تُدار بالقرارات السياسية؟
اقرأ أيضًا:

