برن – حذّرت جهات فدرالية وخبراء قانونيون في سويسرا من تنامي مخاطر التمييز الناتجة عن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في مجالات حسّاسة، مثل التوظيف ومنح القروض والتأمين، وسط تأكيدات بأن الإطار القانوني الحالي لا يوفّر حماية كافية للسكان، رغم تعهّد الحكومة بمعالجة أوجه القصور.
وفي 18 نوفمبر، أصدرت اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية واللجنة الفدرالية لقضايا المرأة رأيًا قانونيًا مشتركًا، نبّهتا فيه الأوساط السياسية إلى تداعيات استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي دون ضمانات كافية، معتبرتين أن الأجانب والأقليات العرقية والجنسانية والنساء من بين الفئات الأكثر تضررًا.
تمييز في التوظيف والتأمين
وأشارت دراسة دولية حديثة إلى أن الذكاء الاصطناعي يعزّز أنماط التمييز القائمة في قطاعات حيوية. ففي مجال التوظيف، أظهرت النتائج أن الخوارزميات تُفضّل الرجال في نحو 85% من الحالات، مقابل 11% فقط للنساء، كما كشفت عن استبعاد منهجي للرجال ذوي البشرة الملوّنة.
وخلال مؤتمر وطني عُقد في برن، قالت أورسولا شنايدر شوتل، رئيسة اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية، إن «الذكاء الاصطناعي يرسّخ التمييزين العنصري والجنساني ويُعمّقهما». ولفتت إلى استخدام بعض شركات تأمين السيارات في سويسرا نماذج قائمة على الذكاء الاصطناعي لتحديد أقساط التأمين، موضحة أن شبابًا وشابات لا يحملون أسماء سويسرية شائعة يدفعون أقساطًا أعلى. وكانت وسائل إعلام سويسرية قد تناولت سابقًا حالات مماثلة، من بينها ارتفاع أقساط التأمين المفروضة على أشخاص من أصول كوسوفية مقارنة بالمواطنين المحليين.
فجوة تشريعية مقارنة بالاتحاد الأوروبي
وبالمقارنة مع دول أخرى، يرى الخبراء أن السكان في سويسرا أكثر عرضة لهذه المخاطر. ففي عام 2024، أقرّ الاتحاد الأوروبي تشريعًا يُلزم مزوّدي أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر بضمان الشفافية والحدّ الفعّال من التحيّز والتمييز، وهو ما لا يتوافر بعد بصورة مماثلة في الإطار السويسري.
ثغرات في القانون القائم
من جهتها، قالت ناديا براون بيندر، أستاذة القانون العام بجامعة بازل، إن التشريعات السويسرية لا تعاني «فراغًا قانونيًا»، لكنها مجزّأة وغير كافية للتعامل مع مخاطر التمييز المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وأوضحت أن الخوارزميات يمكن أن تتحايل على حظر التمييز الدستوري عبر استخدام بيانات تبدو محايدة، مثل الرمز البريدي أو الاسم، لكنها تعكس في الواقع الأصل أو الوضع الاجتماعي.
وأضافت أن القوانين الحالية تجعل إثبات التمييز على أساس فردي شبه مستحيل، مؤكدة أن الاعتراف بظاهرة ممنهجة يتطلب تضرّر عدد كبير من الأشخاص. وحذّرت من أن الذكاء الاصطناعي قد يعيد إنتاج التمييز الاجتماعي القائم ويضخّمه، قائلة: «الذكاء الاصطناعي ليس بالضرورة محركًا للتقدّم، إذ يتخذ قرارات متحفظة استنادًا إلى بيانات تاريخية».
دعوة إلى قانون شامل لمكافحة التمييز
وبناءً على الرأي القانوني الذي أُعدّ للجنتين، دعا كل من براون بيندر وزميلها فلورن توفينين من جامعة زيورخ، الطبقة السياسية إلى سنّ قانون عام لمكافحة التمييز، يطبَّق على القطاعين العام والخاص. وأشارت براون بيندر إلى أن الذكاء الاصطناعي، رغم مخاطره، «يمكن أن يشكّل أيضًا فرصة لكشف التمييز في المجتمع ومعالجته، إذا ما أُحسن تنظيمه».
ويؤكد ممثلو اللجنتين أن التحرك السريع بات ضرورة ملحّة، لضمان ألا تتحوّل الخوارزميات إلى أداة تُكرّس الفوارق الاجتماعية بدل الحدّ منها.
اقرأ ايضًا:

