أعادت تصريحات ليورا ريز، الرئيسة التنفيذية لمنظمة «أوقفوا معاداة السامية» (StopAntisemitism)، بشأن ملاحقة منتقدي إسرائيل قانونيًا في الولايات المتحدة، فتح نقاش محتدم حول الحدود الفاصلة بين حرية التعبير ومكافحة خطاب الكراهية، في وقت تشهد فيه البلاد انقسامًا حادًا بسبب الحرب على غزة والسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.
المنظمة، التي تقود حملات لرصد ما تعتبره مظاهر معاداة للسامية، ترى أن تصاعد الانتقادات لإسرائيل تجاوز – بحسب توصيفها – النقد السياسي المشروع، ووصل إلى تحريض وكراهية ممنهجة، وهو ما يستوجب، وفق رؤيتها، تفعيل القوانين الأمريكية.
المعسكر المؤيد: حماية الجالية اليهودية
منظمات يهودية أمريكية بارزة دعمت هذا التوجه، معتبرة أن ما يجري هو حماية لحقوق الأقليات وليس تقييدًا للحريات.
وقالت رابطة مكافحة التشهير (ADL) في بيان سابق لها:
«حرية التعبير قيمة أساسية، لكنها لا تشمل التهديد أو التحريض أو استهداف جماعات على أساس ديني أو عرقي، وما نشهده في الفترة الأخيرة يتجاوز في كثير من الحالات النقد السياسي».
كما أكد المؤتمر اليهودي الأمريكي أن ما يحدث في بعض الجامعات الأمريكية «أثار مخاوف حقيقية لدى الطلاب اليهود»، مشددًا على أن
«معاداة السامية، سواء جاءت من اليمين المتطرف أو من اليسار الراديكالي، يجب مواجهتها بالقانون».
ويرى هذا المعسكر أن خلط النقد السياسي بخطاب كراهية ليس أمرًا نظريًا، بل واقع موثّق، وأن تجاهله سيؤدي إلى تطبيع العداء ضد اليهود داخل المجتمع الأمريكي.
المعسكر المعارض: تهديد مباشر للدستور
في المقابل، عبّرت منظمات حقوقية ومدنية أمريكية عن قلق بالغ من توسيع مفهوم معاداة السامية ليشمل انتقاد دولة أجنبية.
وقالت الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU) في موقف معلن:
«انتقاد سياسات أي حكومة، بما في ذلك الحكومة الإسرائيلية، هو شكل من أشكال التعبير السياسي المحمي دستوريًا، ولا يجوز تجريمه تحت أي ذريعة».
كما أكدت منظمة Jewish Voice for Peace، وهي منظمة يهودية أمريكية تقدم نفسها كمنتقدة للسياسات الإسرائيلية، أن:
«استخدام معاداة السامية كسلاح لإسكات الأصوات الداعمة لحقوق الفلسطينيين يقوّض النضال الحقيقي ضد الكراهية، ويشوّه معناه».
أما منظمة PEN America المعنية بحرية التعبير، فحذّرت من أن
«التهديد بالملاحقة القانونية يخلق مناخ خوف ذاتي، خاصة في الأوساط الأكاديمية والإعلامية».
الجامعات في قلب العاصفة
وتتركز المواجهة بشكل خاص داخل الجامعات الأمريكية، حيث يرى مؤيدو إسرائيل أن بعض الاحتجاجات «تحولت إلى بيئات عدائية»، بينما يعتبر المعارضون أن الضغط القانوني والسياسي يهدف إلى إسكات جيل كامل من الناشطين.
قراءة تحليلية
يرى محللون أن الجدل لا يتعلق فقط بإسرائيل أو غزة، بل يعكس أزمة أعمق في المجتمع الأمريكي:
• أين تنتهي حرية التعبير؟
• ومن يملك سلطة تعريف خطاب الكراهية؟
• وهل يمكن فصل الهوية الدينية عن السياسة الخارجية؟
ويحذر خبراء قانونيون من أن أي توسع في تجريم الخطاب السياسي قد يصطدم مباشرة بالتعديل الأول للدستور الأمريكي، ما يجعل هذه المعركة مرشحة للانتقال من الإعلام والجامعات إلى ساحات المحاكم.
خلاصة
بين من يرى في تصريحات «أوقفوا معاداة السامية» درعًا قانونيًا لحماية الأقليات، ومن يعتبرها أداة لتكميم الأفواه السياسية، يبقى المشهد الأمريكي منقسمًا بحدة، في وقت تتحول فيه الحرب على غزة من قضية خارجية إلى اختبار داخلي لقيم الديمقراطية الأمريكية نفسها.
اقرأ أيضًا:

