في قراءة للتاريخ الأوروبي على مدى نحو ألف عام، يتضح أن علاقة الشعوب الأوروبية باليهود كانت علاقة مضطربة. هذه العلاقة اتسمت بتكرار مشاهد الطرد والاضطهاد في مدن ودول متعددة. بعد ذلك، برز تناقض صارخ مع ما نشهده اليوم من دعم غير مشروط للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين. ألف عام من الطرد والتاريخ يعيد نفسه في المشهد الحالي.
محطات دامية في تاريخ أوروبا
في الواقع، سجل التاريخ الأوروبي العديد من المراسيم التي طردت اليهود. على سبيل المثال، صدر مرسوم الملك إدوارد الأول من إنجلترا عام 1290. وكذلك، أمر فيليب الرابع من فرنسا عام 1306 بطردهم ومصادرة ممتلكاتهم. بالإضافة إلى ذلك، شهدت إسبانيا عام 1492 مرسوم الحمراء الذي أجبر اليهود على المغادرة أو التنصّر. وامتد الأمر إلى البرتغال 1496 والنمسا عام 1541. وختاماً، كان أبشع الفصول في ألمانيا النازية 1933 – 1945 مع المحرقة. كل هذه شواهد توضح أن اليهود لم يجدوا استقرارًا دائمًا في أوروبا.
لكن، التاريخ يثبت أيضًا أن اليهود كانوا يُعادون أحيانًا إلى نفس الأراضي. هذا حدث وفقًا لمصالح الحكام والملوك. إنها علاقة معقدة بين الاندماج والإقصاء، وبين الحماية والعداء.
الملجأ الآمن في العالم الإسلامي
في المقابل تماماً، وجد كثير من اليهود ملاذًا في العالم الإسلامي. حيث استقبلت الدولة العثمانية اليهود المطرودين من إسبانيا والبرتغال. وقد استقروا في مدن إسطنبول وسالونيك. كما استقر آخرون في المغرب وفاس. لم يكن العيش دائمًا بلا قيود أو صعوبات. غير أنه كان أكثر استقرارًا مقارنة بالاضطرابات الأوروبية الدائمة.
المفارقة التاريخية الكبرى ودروس من الماضي
المفارقة الكبرى أن الذين طُردوا واضطهدوا من أوروبا مرارًا وتكرارًا، ووجدوا الملجأ في الشرق، هم أنفسهم الذين أقاموا كيانًا على حساب الشعب الفلسطيني عام 1948. هذا الكيان أقيم بدعم مباشر من نفس القوى الأوروبية التي لفظتهم عبر القرون.
وهكذا، يتكرر المشهد. لكن هذه المرة، ليس اليهود هم الضحايا. بل على العكس، الشعب الفلسطيني هو الذي يواجه التهجير والمجازر على أرضه.
قراءة هذا التاريخ ليست ترفًا ثقافيًا. بل هي ضرورة لفهم كيف يوظف الغرب ذاكرة الانتقام التاريخية لتبرير سياسات استعمارية جديدة. فبالتالي، الأمة التي طردت اليهود مرارًا، هي ذاتها التي سلّحت إسرائيل وأعطتها الغطاء لارتكاب الجرائم في غزة والقدس. وفي الختام، التاريخ ليس مجرد وقائع قديمة. بل هو مرآة تكشف أن من عانى الطرد والاضطهاد بالأمس، أصبح أداة للظلم والاحتلال اليوم.

